أظهر مؤتمر الشرق الأوسط المثير للجدل في وارسو، حجم الضغط الذي ينتظر الاتحاد الأوروبي من واشنطن. الولايات المتحدة تريد إعادة أوروبا إلى الخط الذي رسمتها لها، أمر لا يبشر بالخير، كما ترى روزاليا رومانيك في تعليقها التالي.
إعلان
من خلال مؤتمر الشرق الأوسط في وارسو، قدمت الحكومة البولندية للولايات المتحدة الأمريكية كمضيف مشترك، منبراً لم تكن لتجد مثله في أي مكان آخر في أوروبا. من وجهة النظر الأوروبية، كان ذلك خطأ، لكن في وارسو يفكر المرء بشكل مختلف عن برلين وبروكسل. في مؤتمر الشرق الأوسط كان يراد الحديث عن السلام في الشرق الأوسط. لكن بدل ذلك، جرى الحديث عن إقامة تحالف ضد العدو اللدود، إيران. و قبل انطلاقة المؤتمر كان واضحاً من المستفيد ومن الخاسر.
الحاضرون والغائبون
بداية سُرّ المضيفون البولنديون بالشخصيات الأمريكية، من بينهم نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس ووزير الخارجية مايك بومبيو اللذان وصلا إلى وارسو. لكن سرعان ما تغير المزاج مع وصول الضيف من إسرائيل. وكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد حسم كل التكهنات، عندما أعلن قبل وقت قليل من خلال مقطع فيديو على "تويتر"، الذي حُذف فيما بعد، والذي قال من خلاله بأن الهدف من الاجتماع هو "تعزيز عمل مشترك للحرب مع إيران". وقد تم تخفيف هذه الترجمة في وقت لاحق.
أما الجانب الإيجابي، فكان جلوس إسرائيل وممثلو الدول العربية على طاولة واحدة ولأول مرة منذ عقود لمناقشة الوضع في المنطقة ودور إيران. ولا يجب الاستهانة بهذا الأمر، لأنه يدل على أن التحرك في الوضع الراهن للمنطقة بات ممكناً.
لكن الأكثر غرابة من قائمة المشاركين كان الغائبون. لم يُرسل الأوروبيون أي ممثلين بارزين إلى وارسو، وهو علامة واضحة. كما لم تتم دعوة إيران، المعنية بالأمر، إلى المؤتمر. فيما رفضت روسيا وتركيا الدعوة، واجتمعوا في سوتشي في الوقت نفسه ودعت إيران للانضمام. ما يوضح بشكل كبير المحاور والتحالفات الجديدة.
أما الأمر المقلق فهو دور تركيا، إذ فضلت أنقرة الجلوس على طاولة المفاوضات مع بوتين وليس مع شريك الناتو. ما لا يعد فأل خير على ملف السلام في الشرق الأوسط. يمكن للمرء أن يفترض بثقة، أن اهتمام وارسو بالسلام أقل من اهتمامها بالسلطة والنفوذ في مناطق الصراعات، وكذلك الأمر أيضا بالنسبة لأوروبا.
حسابات بولندا السياسية
في خضم هذا الوضع المعقد، سعت وارسو بصدق ولو متأخرا إلى موقف محايد، وفي الوقت نفسه عدم تجاوز الخطوط الحمراء! ومع ذلك، فقد فشلت البلاد على وجه التحديد بسبب هذا التناقض. إن كانت الجبهات واضحة، فلا يمكن للمرء أن يكون في نفس الوقت مع أو ضد.
أسرفت الحكومة البولندية في تقدير نفسها وأعطت للآخرين فرصة احراجها وحاولت أن تؤكد لنفسها أن المؤتمر لن يكون مبادرة مناهضة لإيران، ومن ثم النظر، بأن هناك طرف آخر هو من يقرر، وهي الولايات المتحدة. بولندا باعتبارها البلد المضيف وجدت نفسها تلعب دور الشريك الفرعي الأمريكي في بلدها. وهذا أمر مضر للغاية و ويؤذي صورة البلد بشكل كبير.
الضغط يتزايد على بولندا
هذا التطور هو أيضاً جزء من الحسابات السياسية. منذ أن أظهرت روسيا من خلال أوكرانيا، ما هي قادرة عليه، أصبحت سياسة وارسو أكثر تركيزاً على القضية الأمنية. هدف بولندا الأكبر هو الحصول بأسرع وقت ممكن على قاعدة عسكرية أمريكية صلبة في البلاد مع تمركز العديد من الجنود هناك. لكن عما إذا كانت حاسباتها صحيحة، هذا ما سيكتشفه المرء في وقت لاحق من ربيع هذا العام. ومن ثم تريد الولايات المتحدة الإعلان عن كيفية زيادة حجم تواجدها في أوروبا الشرقية.
إذا حدث ذلك، فإن الضغط الأمريكي على بولندا سيستمر في النمو ومعه خطر تقسيم أوروبا أكثر. كلمات مايك بنس، التي هددت برلين وباقي الأوروبيين بـ " سحب التضامن" إذا لم يسقطوا الاتفاق النووي مع طهران، ليست فقط كلمات شنيعة، وإنما خطيرة أيضاً. يجب أن تجد بولندا طريقة لمنع المزيد من الانقسام في أوروبا، لأنه فعلياً لا أحد في وارسو يريد ذلك.
روزاليا رومانيك
محطات تاريخية - أوروبا والسعي الدائم للخروج من العباءة الأمريكية!
بعد الحرب العالمية الثانية عملت أمريكا على تقديم مساعدات لأوروبا والحد من التوسع السوفيتي فوق أراضيها. لكن المتتبع للعلاقات عبر الأطلسي يجد أن الدول الأوروبية بدأت تنأى بمواقفها عن مواقف حليفتها واشنطن في ملفات كثيرة.
صورة من: picture alliance/C.Ohde
مشروع مارشال
لم تخرج أمريكا من الحرب العالمية الثانية بخسائر على عكس نظيرتها أوروبا التي فقدت الكثير على كل المستويات، ولهذا جاءت خطة مارشال بهدف إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي عن طريق تقديم المساعدات. ويعود اسم المشروع إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال الذي أطلق المشروع في حزيران/ يونيو 1947، أمام طلاب جامعة هارفرد. مشروع مارشال عُلقت عليه آمال مهمة، كتعزيز الاستقرار السياسي والسلام في العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa
تعاون يورو- أمريكي
شكل حلف الأطلسي خطوة مهمة في تاريخ العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأمريكي. وقد اجتمعت القوتان في 1949 وأنشأت المنظمة تحت اسم "منظمة حلف شمال الأطلسي"، اختصارا "الناتو". وكان الهدف من المنظمة هو التصدي لخطر الاتحاد السوفيتي حينها. يشكل الناتو نظاماً للدفاع الجماعي، إذ تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.
صورة من: picture-alliance/akg-images
فرنسا تنسحب..
في 1966 انسحبت فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" ما شكل زلزالاً هز وحدة حلف الناتو في وقت مبكر من تاريخ قيامه، وذلك بسبب أزمة وقعت خلال فترة رئاسة شارل ديغول لفرنسا. وأحتج ديغول على الدور القوي الذي تقوم به الولايات المتحدة في المنظمة، وهو ما اعتبره علاقة خاصة بينها وبين المملكة المتحدة، قائلاً إن فرنسا تريد انتهاج خط مستقل عن الحلف وسياسة واشنطن.
صورة من: AFP/Getty Images
خطوة إلى الأمام
من بين المحاولات المهمة التي قامت بها دول الاتحاد الأوربي لتبتعد عن "وصاية" واشنطن، الشراكة الأورومتوسطية. إذ بدأت عام 1995 من خلال مؤتمر برشلونة الأورومتوسطي الذي اقترحته إسبانيا وقام الاتحاد الأوروبي بتنظيمه لتعزيز علاقاته مع البلدان المطلة على المتوسط في شمال أفريقيا وغرب آسيا. الشراكة لم تستمر طويلاً، إلا أنها وضعت أسس لعلاقات إقليمية جديدة، وشكلت نقطة تحول في العلاقات الأورومتوسطية.
صورة من: AP
رفض ومعارضة
في 2003، أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر معارضتهما الشديدة لقرار أمريكا وحلفائها باحتلال العراق. شكل هذا الموقف لحظة قوية عبرت فيها الدولتان الأوربيتان الكبيرتان عن رفضهما سياسة "العم سام" في الشرق الأوسط. وقادتا الاتحاد الأوربي في هذا الاتجاه، حيث أعلن الاتحاد الأوربي معارضته مبدئياً للجوء للقوة، واشترط أن تتم أي عملية عسكرية بتفويض من مجلس الأمن.
صورة من: HECTOR MATA/AFP/Getty Images
اتفاقية "بيسكو"
في 2017، وقع 23 عضوا في الاتحاد الأوروبي على اتفاقية "بيسكو" الرامية لتعزيز التعاون بمجال الدفاع. وشكل توقيع هذه الاتفاقية أبرز خطوة أقدمت عليها دول الاتحاد في اتجاه تشكيل ذراع عسكري تتخلص بفضله من التبعية العسكرية للولايات المتحدة، وتعتمد عليه في تنفيذ سياستها وخصوصاً في منطقة حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق الجوار الأوروبي.
صورة من: Reuters
الانسحاب من الاتفاق النووي
انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني لاقى رفضاً من قبل الدول الأوروبية الثلاث الكبرى. ويشير هذا الرفض إلى سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لنهج استراتيجية مستقلة عن واشنطن، خاصة وأن الاتفاق النووي واحد من أكثر الملفات الحساسة ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما في العالم بأسره.
صورة من: Imago/Ralph Peters
السفارة الأمريكية في القدس
رفضت دول من الاتحاد الأوروبي فتح السفارة الأمريكية في القدس. وكان هذا الرفض دليلاً على تزايد الاختلافات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، ما يدفعهم للسعي نحو الخروج من دارة "التبعية" لأمريكا. وكان عدد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد وصفوا نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس بـ "الخطوة غير الحكيمة التي قد تؤدي إلى تصعيد حدة التوتر".
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Yefimovich
ملفات أخرى...
ملف الشرق الأوسط ليس الجانب الوحيد الذي تبرز فيها رغبة أوروبا في فك من ارتباطها بأمريكا. ويمكن الوقوف عند آخر نقطة في الملف، حيث رفعت أمريكا الرسوم الجمركية على الحديد والألمنيوم. وتشكل هذه الرسوم الجمركية تحدياً كبيراً وضعه ترامب في طريق الأوروبيين. وكانت دول أوروبية قد طالبت بضرورة الحصول على إعفاء دائم من هذه الرسوم، إلا أن الأمر ما يزال عالقاً. إعداد: مريم مرغيش.