وجهة نظر: نحتاج إلى نفس طويل لإدماج اللاجئين في ألمانيا
فريتشا سبازوفسكا
وجهة نظر
٢٣ أغسطس ٢٠١٦
سنة مرت على إطلاق ميركل شعار "سننجح" عندما قدمت وفود اللاجئين. سنة بعدها ومواقف الألمان بشأن النجاح في إدماج اللاجئين من عدمه تتسم بالتباين، خاصة وأن هناك الكثير من الأسئلة دون أجوبة، على ما ترى فاريتشا سبازوفسكا.
إعلان
سنة مرت على نداء المستشارة أنغيلا ميركل "سننجح" وإذا بأجواء الابتهاج التي طغت على ألمانيا آنذاك قد تبخرّت وتبددت. وعلى الرغم من أن الألمان ما يزالون متفائلين، إلا أنهم أصبحوا في الوقت نفسه متشككين. ففي استطلاع للرأي أُجري بتكليف من مؤسسة DWتبين أن هناك أمرين مهمين: فمن جهة ترى أغلبية المشاركين في الاستطلاع أن اللاجئين سيثرون ألمانيا ويجعلونها أكثر تنوعاً، ومن جهة أخرى تعتقد الأغلبية العظمى للألمان أن ألمانيا ستشهد عمليات إرهابية أكثر. عمليات التحرش الجنسي التي شهدتها مدينة كولونيا ومدن ألمانية أخرى خلال ليلة رأس السنة الميلادية بالإضافة إلى العمليات الإرهابية ومحاولات تنفيذ عمليات إرهابية بدوافع إسلامية أثرت على مشاعر الأمن لدى الكثير من الناس.
بداية، إن ما يدعو إلى الارتياح هو أن أغلبية الألمان ترحب باللاجئين وتعتبرهم إثراء للمجتمع. وهذا الموقف الإيجابي للمجتمع المضيف يعد قاعدة مهمة جداً لتمهيد نجاح عملية الاندماج. وهو موقف يتناقض تماماً مع الأجواء (التي شهدتها ألمانيا) قبل أربعين عاماً عندما قدم الملايين من جنوب أوروبا للعمل في ألمانيا! حينها لم يكن الحديث لا عن إثراء ولا عن تنوع. اليوم تغير الأمر. وهذا جيد جداً.
لكن لا يجوز في الوقت نفسه الالتفاف حول النتيجة الأخرى التي أفضى عنها هذا الاستطلاع، وهي أن المخاوف من تهديدات (إرهابية) قد باتت أكبر لدى أغلبية المجتمع الألماني. وهذا الأمر يجب أخذه على محمل الجدية. طبعاً ليس من خلال استغلال هذه المخاوف سياسياً وتأجيجها أكثر، كما يفعل ذلك في أحيان كثيرة حزب البديل من أجل ألمانيا (أ.ف.دي). ولكن لا يجوز أيضاً غض النظر عن هذه التحفظات.
الاندماج في المجتمع الألماني يتطلب الكثير من المال
ربما قد يكون الناس أكثر اقتناعاً بـ"أننا سننجح" إذا ما اتضح أكثر كيف سنحقق ذلك، مثلاً من خلال الاندماج في سوق العمل. ألا يتعين على الحكومة تخصيص أموالاً أكثر حتى ينجح ذلك؟ ألا يجدر بها أن تعترف بذلك علنا؟ فقط 40 ألف لاجئ وجدوا فرصة عمل في ألمانيا. ثلاثة أرباع اللاجئين لا يمتلكون أي تأهيل مهني. وهذا يعني أن الدولة والمؤسسات الاقتصادية مجبرة على تأهيل اللاجئين حتى يصبحوا جاهزين للدخول إلى سوق العمل. ولهذا الغرض لابد من إطلاق إجراءات تكوينية تكلف المليارات وتتطلب في الوقت ذاته صبراً طويلاً.
على صعيد آخر، ألا يتعين بنا تشديد الإجراءات الأمنية بشكل أكبر؟ الشرطة الاتحادية تعتزم رفع عديد قواتها. وهذا أمر صائب ولكنه يتطلب أيضاً الكثير من المال.
وأخيراً وليس آخراً، نتساءل ألا يمكن ترحيل الأجانب الذين خالفوا القانون بشكل أسرع مما عليه الحال؟ خاصة بعد عمليات التحرش الجنسي خلال ليلة رأس السنة فإن ذلك من شأنه أن يشكل إشارة واضحة ومهمة للترهيب.
من الواضح أنه لا يمكن تغيير كل شيء بين ليلة وضحاها. ذلك أنه حتى ترحيل الأجانب الذين خالفوا القانون، يجب أن يخضع لقوانين الحماية التي تضمنها دولة القانون. وأحياناً يستغرق الأمر وقتاً طويلاً.
المستشارة أطلقت قبل عام بشعارها "سننجح" بين الألمان موجة لا مثيل لها من التضامن. ولحسن الحظ لا يزال الكثير من ذلك قائماً حتى الآن. ولكننا بحاجة إلى نفس طويل حتى تبقى هذه اللحظة قائمة على المدى البعيد. كما نحتاج إلى جدل صريح حول التحديات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الفترة الفارقة بالنسبة للمجتمع الألماني.
صدمة وحزن وخوف وإرهاب... أسبوع دام في ألمانيا
شهدت ألمانيا خلال أسبوع واحد فقط عمليات قتل وترهيب وهجمات إرهابية، ثلاثة منها نفذها لاجئون قدموا إليها حديثا، واثنان منهما تبناهما تنظيم "داعش". جولة مصورة توثق أسبوعا من الإرهاب والحزن والخوف في عدة مدن ألمانية.
صورة من: Getty Images/J. Simon
لا يزال الحزن يخيم على مدينة ميونيخ الألمانية، حيث تضع امرأة وردة في المكان الذي شهد يوم الجمعة الماضي عملية قتل عشوائية مروعة، راح ضحيتها تسعة أشخاص، أغلبهم في مقتبل العمر. العملية التي نفذها شاب ألماني-إيراني، قيل إنه يعاني من اضطرابات نفسية، راح ضحيتها فتيان وشباب، غالبيتهم من أصول مهاجرة (ثلاثة أتراك وثلاثة ألبان كوسوفو ويوناني). ذنبهم الوحيد أنهم كانوا في المكان والوقت غير المناسبين!
صورة من: GGetty Images/AFP/C. Stache
بحر من الورود أمام مركز أولمبيا التجاري في ميونيخ، حيث مسرح عملية القتل الجماعي العشوائي، حداداً على أرواح الضحايا وسط تساؤلات عمّا دفع الجاني، الذي لم يتجاوز عمره 18 عاما، إلى هذه الجريمة؟ التحريات تشير إلى حد الآن أن الشاب، الذي ولد في ألمانيا لأبوين قدما من إيران في التسعينات كطالبي لجوء، قد خطط لعمليته طويلاً و"جيداً".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير اضطر في غضون ثلاثة أيام إلى قطع عطلته كان يقضيها مع زوجته في الولايات المتحدة الأمريكية. المرة الأولى كانت مطلع الأسبوع عقب عملية إرهابية نفذها لاجئ في 17 من عمره في قطار في مدينة فورتسبورغ، والمرة الثانية عقب عملية القتل الجماعي العشوائي في ميونيخ. الوزير قرر بعدها التخلي نهائيا عن إجازته والبقاء في ألمانيا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
في غضون ذلك، لا تزال صور دماء تغطي أرضية عربة في القطار الذي شهد عملية إرهابية في مدينة فورتسبورغ الألمانية عالقة في أذهان الكثيرين في ألمانيا. العملية، التي نفذها فتى لاجئ في 17 من عمره، أسفرت عن إصابة أسرة قدمت من هونغ كونغ سائحة في ألمانيا بجروح بليغة وامرأة ألمانية ذنبها الوحيد أنها كانت في طريق الإرهابي عند محاولته الفرار من القطار. العملية تبناها فيما بعد تنظيم "داعش".
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Hildenbrand
وفيما تزداد المخاوف من ألمانيا من عمليات دامية كتلك التي شهدتها باريس ونيس وبروكسل واسطنبول وأنقرة وغيرها، تبقى التساؤلات قائمة عما دفع بفتى قدم فاراً من أفغانستان (أو باكستان) ليجد ملجأ وأسرة تحتضنه في ألمانيا إلى القتل؟ الكثيرون صدموا لكم الكراهية التي يكنها هذا الشباب خاصة بعدما نشر "داعش" فيديو يظهر فيه الفتى وهو يهدد ويتوعد فيه الألمان بالقتل والانتقام.
صورة من: picture-alliance/dpa/Amak
وما لبث الناس يتنفسون الصعداء بعد عملية ميونيخ التي بثت الذعر في القلوب خوفا من عمليات إرهابية منسقة كتلك التي شهدتها باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وأسفرت عن مصرع 130 شخصا وجرح المئات، هاهي ألمانيا تشهد بعد يوم فقط جريمة أخرى اهتزت لها مدينة رويتلينغن، حيث قام لاجئ سوري في مقتل العمر بقتل مقتل امرأة وجرح خمسة آخرين بسكين كبير.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
حالة من الذعر تسود رويتلينغن، المدينة الصغيرة الهادئة في جنوب ألمانيا، بعد الجريمة البشعة. وفيما تتواصل التحقيقات مع الجاني لمعرفة دوافعه، تؤكد السلطات الألمانية على عدم الاشتباه بالإرهاب والعنف بشكل عام في طالبي اللجوء، لافتة إلى أن أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها أوروبا في الآونة الأخيرة لم تكن من فعل لاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Schmidt
لكن تحذيرات السلطات الألمانية من عدم وضع اللاجئين في قفص الاتهام قد لا تجد آذانا صاغية، على الأقل لدى البعض، بعد هجوم أنسباخ الانتحاري الذي شُن مساء يوم الأحد، أي في نفس اليوم الذي شهدت فيه روتلينغن عملية القتل بسكين، والذي نفذه لاجئ سوري آخر (27 عاما). العملية الإرهابية التي أسفرت عن مقتل المنفذ وجرح 15 شخصا، أربعة منهم في حالة خطيرة، كان هدفها الانتقام من ألمانيا وتبنتها داعش.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وفيما تشير التحريات الأولى إلى ضلوع "داعش" في العملية التي نفذها اللاجئ السوري الذي فجر نفسه ليل الأحد الاثنين في بلدة أنسباخ الألمانية، يبقى من المؤكد أنه أراد قتل أكبر عدد ممكن من الناس، إذ أنه تحول إلى مهرجان للموسيقى جاءه زوار من كل حدب وصوب. ولولا أن رجال الأمن منعوه من الدخول، ويقوم بتفجير نفسه عندها، لكانت الحصيلة أثقل بكثير.
صورة من: DW/N.Niebergall
يواخيم هيرمان، وزير داخلية ولاية بافاريا الألمانية - التي شهدت ثلاث عمليات قتل وترهيب من إجمالي أربع عمليات خلال أسبوع واحد - يقول إن الهجمات الأخيرة أثارت تساؤلات بشأن قانون اللجوء الألماني والأمن في مختلف أرجاء البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وإن لم يصدر أي تعليق بعد عن المستشارة الألمانية أو وزير داخليتها بشأن عزمهما تشديد قانون اللجوء الذي قدم بموجبه العام الماضي أكثر من مليون لاجئ، أغلبيتهم من السوريين، إلا أن المخاوف الأمنية تبقى قائمة، حيث كثفت الشرطة من تواجدها في كل المرافق العامة الحساسة. ولكن الأكيد أن ما حدث في ألمانيا خلال أسبوع، لن يمّحي من ذاكرة العديد من الناس.. أملا في ألاّ يستغلها اليمنيون المتطرفون لصالحهم!