خلقت أزمة كورونا ظروفاً مثالية للإسلاميين المتطرفين لجذب الشباب الناشىء من الدول الإسلامية ومن أوروبا أيضا. وعلى هذه الدول أن تعي هذا الخطر المحدق بها، كما يرى ألكسندر غورلاخ في تعليقه.
إعلان
يمكن أن يتوارى خلف جائحة كورونا هذه الأيام أيضاً خطر من نوع آخر ويأخذ طابعاً جديداً. إذ يستغل الإسلاميون حالة عدم اليقين السائدة في الوقت الراهن وظروف العزل التي يفرضها الوباء والحاجة المادية للعديد من الشباب لهدف تجنيد جهاديين جدد. وقد مهد رجال الدين الإسلامي في أنحاء العالم البيئة الروحانية لذلك بداية من خلال إعطاء تفسير لوباء كورونا واعتباره عقاباً إلهياً للكفار.
وعندما أصيب الناس في البلدان الإسلامية بالفيروس غيروا من لهجتهم ودعوا الناس إلى التوبة. وفجأة تحول نقص الإيمان باعتباره السبب في الوباء محط التركيز في عدد من خطبهم.
وبالإضافة إلى ذلك فإن العديد من الحكومات في العالم الإسلامي ضعيفة وتفتقر إلى البنية التحتية للرعاية الصحية بشكل جيد. وبالتالي فإن خطر أن يصبح الإسلاميون أكثر تأثيراً أو حتى يسيطروا على مناطق معينة أو يستولوا على السلطة في دول، هو خطر حقيقي.
وهذا يؤثر على أوروبا أيضا، ليس للارتباط الوثيق للمجتمعات المسلمة هنا ببلدانها الأصيلة فحسب، وإنما لاعتمادها المالي عليها في الغالب في الأوقات الصعبة التي بدأت تطال العديد من الناس في العالم المسيحي أيضاً ما يمكن أن يؤدي إلى إمكانية تطرف البعض في الشتات.
حرب متواصلة ضد الإسلاميين
في شمال افريقيا على سبيل المثال، تخوض الدول منذ بدء الربيع العربي قبل عشر سنوات حربا متواصلة هناك ضد الإسلاميين. وفي مصر تحاول جماعة الإخوان المسلمين، التي تم حظرها في عهد حسني مبارك والتي وصلت للسلطة لفترة وجيزة بعد سقوطه، تشويه صورة الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي. ولأن أكثر من نصف المصريين لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، ليس لديهم المقدرة على التحقق مما يرونه أو يسمعون عنه على الإنترنت.
وينشط الإخوان المسلمون في ألمانيا أيضاً وقد اقتنوا قطعة أرض شرق البلاد لبناء مسجد عليها لتسيير نشاطهم، كما كتبت الإمامة الليبرالية سيران أطيش في مجلة سيسيرو (Cicero). وقد لاحظت أطيش مدى تغلغل الإسلام السياسي، الذي ينشط في ألمانيا أيضاً، بعد أن صارت أول امرأة تفتتح مسجدا في برلين وتديره منذ ذلك الحين.
سد منيع في وجه الاندماج تدعي الجمعيات الإسلامية في ألمانيا والتي لا تمثل أكثر من 20 في المائة من جميع المسلمين في البلاد، أنها تمثل الإسلام الحقيقي. وبهذا تريد هذه الجمعيات أن تشكل سدا منيعا في وجه اندماج المسلمين في أوروبا العلمانية المستنيرة. حتى وإن كانت موارد الدولة تستخدم حاليا لخدمة أغراض أخرى، فمن المستحسن مراقبة أنشطة المتطرفين عن كثب وحظر منظمات مثل جماعة الإخوان المسلمين إذا لزم الأمر فعل ذلك.
ويبقى من واجب الطبقة السياسية في ألمانيا مواصلة تشجيع ملايين المسلمين الذين يعيشون في البلاد على الاندماج، وذلك لقطع الطريق أمام الجماعات المتشددة مثل الإخوان المسلمين ومنعهم من استغلال الأزمة الحالية لأهدافهم المريبة. التحدي المادي الذي تفرضه جائحة كورونا يؤثر على المجتمع ككل وليس فقط على الأشخاص من أصول مهاجرة. لذلك حان الوقت لتوحيد الصفوف وعدم منح الانقسامات فرصة للتغلغل داخلها.
ألكسندر غورلاخ
يقيم ألكسندر غورلاخ في نيويورك، عضو في مجلس كارنيجي للأخلاقيات في الشؤون الدولية وباحث مشارك في جامعة كامبريدج في معهد الدين والداراسات الدولية. حاصل على الدكتوراه في علم اللغة واللاهوت، عمل في جامعة هارفارد وعدة جامعات أخرى في الفترة ما بين 2014 و2018.
مظاهر متعددة للتطرف في شرق ألمانيا
رغم أن اليمين المتطرف ظاهرة لا تقتصر على بلد معين، إلا أن الحكومة الألمانية أعربت مؤخرا عن قلقها من تنامي كراهية الأجانب ومعاداة الإسلام في الولايات الألمانية الشرقية. جولة مصورة في مظاهر التطرف اليميني بشرق ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
أعربت الحكومة الألمانية عن قلقها إزاء تنامي كراهية الأجانب والتشدد اليميني في شرق ألمانيا، محذرة من أنهما يشكلان تهديدا على السلم الاجتماعي وينفر المستثمرين الأجانب. الإحصائيات الأخيرة تؤكد هذه المخاوف: ففي عام 2014 مثلا سجل 47 من الاعتداءات ذات الدوافع العنصرية في شرقي ألمانيا، على الرغم من عدد السكان فيها لا يشكل سوى 17 بالمائة من إجمالي سكان البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
فمثلا، على الرغم من أن نشاط النازيين الجدد لا يقتصر على ألمانيا فحسب، بل سجل في عدد مناطق من العالم على غرار أمريكا والنرويج، إلا أن حزبهم "حزب ألمانيا القومي الديمقراطي" لم ينجح حتى الآن في الدخول إلى البرلمانات المحلية والمجالس المحلية إلا في شرقي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Bimmer
شكلت مدينة دريسدن، بولاية سكسونيا شرقي ألمانيا، مهد ومعقل حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) التي تتظاهر منذ أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014 ضد الإسلام والمسلمين وتواجد الأجانب في ألمانيا. وقد بلغت هذه الاحتجاجات ذروتها مع تدفق سيل اللاجئين، وأغلبيتهم من سوريا، على ألمانيا العام الماضي.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
خلال احتجاجاتهم الليلية التي تنظمها حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) لم يتوان اليمينيون المتطرفون عن التعبير عن رفضهم لقدوم اللاجئين إلى ألمانيا. في إحدى المظاهرات حمل أحدهم لافتة تصور أناسا في قطار – وذلك في إشارة إلى أن أغلبية اللاجئين قدموا إلى ألمانيا في القطارات انطلاقا من المجر والنمسا – وقد كتب عليها بالإنجليزية: "اللاجئون غير مرحب بهم، عودوا بعائلاتكم إلى أوطانكم".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Schutt
اليمين المتطرف يرفضو أيضا التعددية الثقافية في إشارة إلى المهاجرين، الذين يعيشون في ألمانيا منذ عقود، ويعتبرونها دخيلة على الثقافة الألمانية. في الصورة أحد المتظاهرين في احتجاجات نظمتها حركة بيغيدا في مدينة دريسدن وهو يحمل لافتة كتب عليها "يجب وقف التعددية الثقافية. وطني (يجب) أن يبقى ألمانيّا".
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Burgi
كثيرا ما شهدت مدن شرق ألمانيا احتجاجات متكررة ضد اللاجئين وتنديدات بالمستشارة ميركل التي يتهمونها بفتح الأبواب على مصراعيها أمام "من هب ودب" دون أن تعير اهتماما لمخاوفهم ومشاكلهم. وفي الواقع، فقد شهد حزب المستشارة، الحزب الديمقراطي المسيحي، تراجعا في الانتخابات البرلمانية المحلية لعدد من الولايات الألمانية، وليس في شرق ألمانيا فقط.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
إضرام الحرائق في مآوي اللاجئين أو في البنايات المخصصة لإيواء اللاجئين أحداث - وإن لم تقتصر على ولايات شرق ألمانيا - تحسب على اليمين المتطرف وعلى كارهي الأجانب بصفة عامة واللاجئين بصفة خاصة. الصورة تظهر بناية خصصت لإيواء اللاجئين في بلدة باوتسن وهي تحترق. كما أظهرت التحقيقات فيما بعد أن الحريق كان بفعل إجرامي.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Löb
بعدما سمع اليمنيون المتطرفيو أن طائفة الأحمدية تريد أن تبني مسجدا بمنطقة نائية في إيرفورت بولاية تورينغن، شرقي ألمانيا، حتى سارعوا للاحتجاج رغم أن الأمر لم يتعد طور التخطيط. ورغم أن هذا المسجد الذي لايزال مجرد حبر على ورق هو الأول من نوعه في الولاية بأسرها والثالث في شرقي ألمانيا (باسثناء برلين)، إلا أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي يرى فيه مشروعا بعيد المدى لأسلمة ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
الاحتجاج على بناء المساجد من قبل البعض في ألمانيا ليس بالأمر الجديد. بيد أن البعض استخدم وسائل أخرى للتعبير عن احتجاجه: ففي عام 2013 ومع انطلاق أشغال بناء أول مسجد في مدينة لايبتسغ وثاني مسجد على الإطلاق في شرق ألمانيا (باستثناء برلين) قام مجهولون بوضع رؤوس خنازير دامية على أرضية المبنى. حادث مماثل تكرر بعدها بثلاث سنوات عندما وضع مجهولون خنزيرا صغيرا ميتا أمام مسجد في المدينة ذاتها.
صورة من: picture-alliance/dpa
لأكثر من 10 سنوات ويمنيون متطرفون، ينشطون في إطار ما يسمي بالخلية النازية السرية انطلاقا من مدينة تسفيكاو بشرق ألمانيا، يقتلون أناسا في مختلف أنحاء ألمانيا. والمتهمون هم أوفه موندلوز، أوفه بونهارت (في الصورة – في الوسط) وبيآته تشيبه. ضحاياهم: ثمانية أتراك ويوناني وشرطية. دافعهم في ذلك هو كراهيتهم للأجانب. وإلى حدود عام 2011 كان الرأي العام يجهل هوية هؤلاء وأن القتلة هم من اليمينيين المتطرفين.