وسط برلين يشهد هزيمة للنازيين الجدد في ذكرى النصر على الهتلرية
يا له من يوم تاريخي شهدته العاصمة الألمانية يوم الأحد بمناسبة مرور 60 عام على نهاية الحرب العالمية الثانية: آلاف المواطنين الغاضبين يقفون في وجه النازيين الجُدد وينجحون لأول مرة في منعهم من التظاهر وسط برلين والمرور عبر معلمها التاريخي بوابة براندنبورغ. وبدلا من قيام قوات الشرطة كالعادة بإخلاء الشوارع أمام مظاهرة النازيين الجدد المرخصة، فاجأتنا مكبرات الصوت بالإعلان عن إلغاء مظاهرتهم وبدء قوات الشرطة بتفريق ذوي الرؤوس الحليقة ونقلهم في قطارات خاصة إلى خارج مركز المدينة. ولاحظ المراقبون هذه المرة ارتسام ملامح الحنق الشديد على وجوه المواطنين الذين تدفقوا على العاصمة الألمانية من كل حدب وصوب للتعبير عن غضبهم من تجرؤ النازيين الجدد على الظهور في الشوارع في هذه المناسبة بالذات. إلى ذلك قال الشاب شتيفان ك (31 عاما) لـ "دويشه فيله" إنه "لمن الوقاحة أن يسرح النازيون الجدد ويمرحون هنا وكأنهم لم يغرقوا قبل ستين عاما أوروبا بأكملها في حرب شعواء. أما زوجته هايكه ب (34 عاما) فقد اعتبرت أنه من واجبها القول في هذا اليوم بالذات إنه لا مكان لهؤلاء المتطرفين بين المحتفلين. من جانبها قالت السيدة هيلغه ب (65 عاما) إنها تخرج لأول مرة في مظاهرة معادية للنازية وإنها نظرت دائما إلى الخلافات التي تحدث بين الأحزاب اليمينية المتطرفة والمنظمات اليسارية وكأنها مشكلة لا تخصها، ولكنها جاءت اليوم إلى هنا للقول: "نجحنا في كسب السلام في أوروبا ولن نسمح لكم أيها النازيون بتعكير صفوة هذا السلام."
المبادرة جاءت من المواطن العادي
صحيح أن الخلاف بين الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تمثل النازيين الجدد من جهة والجهات الحكومية والشعبية الألمانية من جهة أخرى معروف ويتكرر دائما عندما يدور الحديث عن إحياء ذكريات تاريخية مثل الأول من أيار/مايو (عيد العمال) أو الثالث من أكتوبر/تشرين الأول (عيد الوحدة الألمانية) أو الاحتفالات التي شهدتها العاصمة الألمانية أمس بمناسبة مرور 60 عام على نهاية الحرب العالمية الثانية، ولكن نهايته تكون دائما معروفة: الأحزاب اليمينية المتطرفة وعلى رأسها الحزب القومي الألماني الذي كان وراء تنظيم المظاهر ة الفاشلة أمس تقدّم طلباً رسمياً لدى السلطات الألمانية بغرض السماح له بالتظاهر في مناسبة معينة، الأمر الذي يلاقي معارضة من قبل الجهات الحكومية. إذا يلجأ الطرفان غالبا إلى المحاكم وتبدأ السلطة التشريعية بعقد جلسة تلو الأخرى للبت في القضية. وبما أن القوانين الألمانية تنص بوضوح على حق الجميع بالتجمع والتظاهر سلميا، فإن القرار يكون غالبا لصالح الجهة التي قدمت الطلب. وهذا ما حصل في هذه المرة أيضا، فقد أصدرت المحكمة مؤخرا في برلين قرارا يسمح لمؤيدي الحزب القومي الألماني "إن بي دي" بالتظاهر سلميا وسط المدينة، ولكنها منعتهم من المرور عبر بوابة براندنبورغ، المعلم التاريخي الأول في العاصمة الألمانية.
"لا للنازية الجديدة"
بداية سار كل شيء كما خطط له حليقو الرؤوس (النازيون الجدد)، إذ تجمع 3 آلاف منهم في ساعات الصباح الباكر في ميدان ألكسندر بلاتس وسط برلين محاطين بأعداد كبيرة من قوات الشرطة، وذلك استعدادا لانطلاق مسيرتهم عبر الشارع الرئيسي "انتر دين ليندن" باتجاه بوابة براندنبورغ. وقبل انطلاق المسيرة أكدت مصادر الشرطة لـ "دويشه فيله" على أنها أخذت جميع سبل الحيطة والحذر اللازمة لمنع حدوث قلاقل أو مناوشات مع آلاف المتظاهرين السلميين الذي تجمهروا على جسر كارل ليبكنشت بغرض منع النازيين الجدد من المرور باتجاه بوابة براندنبروغ. وقالت المصادر ذاتها إنها قامت بتفتيش جسدي لجميع المشاركين في مظاهرة اليمينيين المتطرفين بحثا عن أسلحة خفيفة أو شعارات محظورة وإنها حصلت على تعهد مُلزم من منظمي المسيرة بالتظاهر سلميا وعدم ترديد أو رفع شعارات استفزازية.
"نعم للديمقراطية"
في غضون ذلك استمر تجمع متظاهرون مناهضون للنازية على جسر كارل ليبكنشت بغرض منع النازيين الجدد من السير باتجاه بوابة براندنبورغ. وعلى الرغم من قيام قوات الشرطة التي توافدت على برلين من عشر ولايات ألمانية بعزل وسط المدينة وعدم السماح إلا لوسائل الإعلام بدخولها، نجح أكثر من 15 ألف متظاهر جاء القسم الأكبر منهم من الحفل الرئيسي (يوم الديمقراطية) الذي نظم على معبر البوابة بالتجمهر على الجسر استعدادا للتصدي لمظاهرة اليمينيين المتطرفين. وكانت شخصيات سياسية ألمانية طالبت في الاحتفال الرسمي بالمشي سلميا باتجاه ميدان ألكسندر بلاتس من أجل منع النازيين الجدد من تنظيم مظاهرتهم. وناشدت وزيرة الزراعة وحماية المستهلكين ريناته كوناست المتظاهرين بالسير سلميا باتجاه ميدان ألكسندر بلاتس من أجل إعاقة مسيرة الحزب القومي الألماني. وعقب النداء تدفق آلاف المواطنين إلى الجسر رافعين يافطات معادية للنازية ورددوا شعارات طالبوا فيها بحظر نشاطات النازيين. وجاء توافد تجمع المواطنين ليجبر جهاز الشرطة على الإعلان عن أن قواتها غير قادرة على ضمان وتوفير الأمن للنازيين، الأمر الذي اضطرها إلى إلغاء مظاهرتهم أو تفريقهم ومن ثم نقلهم إلى أحياء مختلفة في المدينة. في الوقت ذاته قدمت الشرطة الشكر للمتظاهرين المناهضين للنازية على تظاهرهم بطريقة سلمية وعدم استخدام القوة في التصدي للنازيين الجدد.
ناصر جبارة