منذ سقوط الفاشر، دخل السودان مرحلة جديدة من الفوضى والدماء. تتوالى شهادات عن إعدامات ميدانية وعنف جنسي وسط تجاهل دولي. ويقول خبراء إن السودان بات يتحول إلى ساحة صراع دولي على الذهب والمياه والزراعة، في حرب تمزيق البلاد.
منذ سقوط الفاشر في يد الدعم السريع، توالت الشهادات عن إعدامات ميدانية وعنف جنسي وعمليات نهب وخطف.صورة من: Mohammed Jamal/REUTERS
إعلان
منذ سقوط الفاشر آخر المعاقل الرئيسية للجيش السودان في إقليم دارفور، توالت الشهادات عن إعدامات ميدانية وعنف جنسي وهجمات على عمال الإغاثة وعمليات نهب وخطف.
في هذا السياق يقول الكاتب المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وأوروبا مارك شامبيونفي مقال نشره موقع "بلومبرغ" إن ثمة لحالة من التجاهل الغربي للصراع الدموي في السودان رغم أن حجم المعاناة الإنسانية الناجمة عن هذا الصراع تفوق ما الصراع في أوكرانيا وغزة.
وقال إن الحرب الأهلية السودانية، التي بدأت عام 2023، تُعد نموذجا "للفوضى المسلحة التي قد تميز العالم في مرحلة ما بعد الهيمنة الأمريكية."
ويشير شامبيون إلى أن الصراع في السودان يجذب قوى إقليمية ودولية تسعى للنفوذ، مثل الإمارات والسعودية وقطر ومصر، إضافة إلى الصين وروسيا وإيران وليبيا.
وقال الكاتب المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وأوروبا إن الذهب والزراعة والمياه وموانئ البحر الأحمر هي أبرز المكاسب التي تتنافس عليها هذه الأطراف.
وأشار إلى أن الوضع الإنساني في السودان باتت كارثيا إذ يعاني ملايين النازحين من الجوع، منتقدا عدم وجود أي إرادة دولية حقيقية لحل الأزمة.
والمح إلى أن تقسيم السودان إلى شرق وغرب هو السيناريو الأكثر احتمالا، مما يهدد بتكرار تجربة جنوب السودان التي انتهت بصراعات داخلية.
وأشار الكاتب إلى أن طريق حل الأزمة في السودان تبدأ بالعمل على تحقيق تسوية بين القوى الأجنبية المتنافسة ورطة في السودان، كخطوة أولى لتجنب العودة إلى صراعات القرن التاسع عشر على النفوذ والموارد في عالم متعدد الأقطاب.
أشار خبراء إلى أن الوضع الإنساني في السودان باتت كارثيا إذ يعاني ملايين النازحين من الجوع.صورة من: AFP/Getty Images
دور الإمارات المزدوج
وسلط الكاتب الضوء على أن الإمارات تلعب دورا مزدوجا فهي تدعم قوات الدعم السريع وتشتري الذهب من الحكومة السودانية، مما يجعلها ممولا للطرفين.
إعلان
وكشف الكاتب أنه بحسب البنك المركزي السوداني، فقد اشترت الإمارات نحو 97٪ من صادرات السودان الرسمية من الذهب في عام 2024، وهي صادرات تخص حكومة عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش.
في المقابل، تراجعت الولايات المتحدة عن دورها التقليدي في الوساطة، بسبب مصالحها مع دول الخليج، وغياب السودان عن أولويات إدارة ترامب.
الوضع الإنساني كارثي: ملايين النازحين، وملايين يعانون من الجوع، ولا توجد إرادة دولية حقيقية لحل الأزمة. ويبدو أن تقسيم السودان إلى شرق وغرب هو السيناريو الأكثر احتمالًا، مما يهدد بتكرار تجربة جنوب السودان التي انتهت بصراعات داخلية.
في هذا الإثناء، قُتل 40 شخصا على الأقل وأصيب آخرون في هجوم على تجمع عزاء في الأُبيض عاصمة شمال كردفان، بحسب ما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الأربعاء .
ولم يحدد المكتب الجهة التي تقف وراء الهجوم في الوقت الذي تشهد فيه مدن كردفان تواجدا مكثفا للجيش السوداني الذي يسيطر على المدينة وقوات الدعم السريع التي تحاول إحراز تقدم فيها.
واشنطن على خط الأزمة في السودان.. جهود الفرصة الأخيرة؟
30:03
This browser does not support the video element.
"مزيد من التدهور"
وتعتبر الأُبيض نقطة حيوية على الطريق الذي يصل الخرطوم بإقليم دارفور الذي أحكمت قوات الدعم السريع قبضتها عليه الأسبوع الماضي بالسيطرة على الفاشر.
وتعد الأبيض طريقا رئيسا للإمدادات ومركزا لوجستيا وقياديا، علما أنها تضم مطارا أيضا.
وحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من أن "الوضع الأمني في منطقة كردفان مستمر في التدهور".
وأفاد سليمان بابكر الذي يقطن أم صميمة الواقعة غرب الأُبيّض فرانس برس بأن "عدد مركبات قوات الدعم السريع ازداد" في المنطقة بعد سيطرتها على الفاشر.
وتتهم قوات الدعم السريع المنبثقة من ميليشيات الجنجويد بأنها ارتكبت قبل عقدين إبادة جماعية ومذابح إثنية في دارفور. وتواجه كذلك اتهامات بارتكاب جرائم وأعمال عنف خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.
ويواجه الجيش كذلك اتهامات باستهداف المدنيين والبنية التحتية في مناطق سيطرة الدعم السريع.
وأسفر النزاع في السودان حتى الآن عن مقتل عشرات الآلاف وأجبر نحو 12 مليونا على النزوح أو اللجوء خارج البلاد، وتسبب بأكبر أزمتي نزوح وجوع في العالم، وفق الأمم المتحدة.
تحرير: عماد غانم
الفاشر.. مركز الانتهاكات الأكثر عنفًا في النزاع السوداني
تُعد الأزمة الإنسانية في السودان من بين الأسوأ عالميًا، حيث يعاني المدنيون أوضاعًا مأساوية، وتتزايد التقارير الصادمة عن إعدامات وانتهاكات جسيمة ارتكبتها قوات الدعم السريع بعد سيطرتها على الفاشر في دارفور وبارا بكردفان.
صورة من: Muhnnad Adam/AP Photo/dpa/picture alliance
نزوح جماعي
غادر نحو 26 ألف شخص مدينة الفاشر في الأيام الأخيرة، مضطرين للفرار من القتال وسط حالة من الرعب. تنقّل المدنيون بين نقاط التفتيش المسلحة، معرضين للابتزاز، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز، والنهب، والمضايقات، فضلاً عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أثناء محاولتهم الوصول إلى برّ الأمان. وفقا لشهادات الوافدين إلى بلدة طويلة، الواقعة على بُعد نحو 50 كيلومترًا من الفاشر.
صورة من: Mohammed Jamal/REUTERS
قوات الدعم السريع متهمة بإعدامات وانتهاكات مروعة
أفادت تقارير بوقوع إعدامات ميدانية بحق مدنيين حاولوا الفرار، وسط مؤشرات على دوافع قبلية وراء بعض عمليات القتل، إضافة إلى استهداف أشخاص لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو مقلقة تُظهر عشرات الرجال العزّل يتعرضون لإطلاق النار أو جثثهم ملقاة على الأرض، بينما يظهر مقاتلو قوات الدعم السريع حولهم وهم يتهمونهم بالانتماء إلى القوات المسلحة السودانية.
صورة من: STR/AFP/Getty Images
الفاشر تتحول إلى مركز للمواجهات الأعنف في دارفور
أعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أن القيادة ولجنة الأمن في الفاشر قررت مغادرة المدينة بعد الدمار والقتل الممنهج الذي تعرض له المدنيون، موضحًا أنه وافق على مغادرتهم إلى مكان آمن حفاظًا على ما تبقى من الأرواح والممتلكات.
صورة من: Rapid Support Forces (RSF)/AFP
التجويع كسلاح حرب
مئات الآلاف من المدنيين ظلّوا محاصرين في هذه المدينة لأكثر من 500 يوم، حيث منعتهم قوات الدعم السريع من الوصول إلى الغذاء، ما يُعد استخدامًا للتجويع كسلاح حرب. وخلال الفترة بين 2 و4 تشرين الأول/أكتوبر، نزح نحو 770 شخصًا من المدينة إلى منطقة طويلة بسبب تزايد انعدام الأمن.
صورة من: UNICEF/Xinhua/IMAGO
انتهاكات جسيمة
قالت نقابة أطباء السودان إن نحو 177 ألف شخص ما زالوا محاصرين داخل مدينة الفاشر، معتبرة أن ما تشهده المدينة من أحداث يرقى إلى "إبادة جماعية وتطهير عرقي ممنهج وجرائم حرب مكتملة الأركان".كما حددت اللجنة "مقتل خمسة من متطوعي جمعية الهلال الأحمر السوداني في مدينة بارا شمال كردفان.
صورة من: Rapid Support Forces (RSF)/AFP
انهيار الوضع الأمني في بارا
في شمال كردفان، أفاد الناجون بتكرار أنماط مماثلة من العنف وانتهاكات حقوق الإنسان عقب سقوط مدينة بارا مؤخراً، ما أسفر عن نزوح آلاف السكان داخل الولاية. هناك قلق بالغ إزاء احتمال حصار مدينة الأبيض، التي تأوي عشرات الآلاف من النازحين داخلياً، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية في المنطقة.
صورة من: AFP/Getty Images
طويلة عانت من تفشي الكوليرا
بلدة طويلة بولاية شمال دارفور عانت من تفشي سريع للكوليرا، حيث سُجِّل أكثر من 1.180 إصابة، منها نحو300 طفل، وما لا يقل عن 20 وفاة منذ ظهور أول حالة في21 يونيو/ حزيران 2025. البلدة التي تستضيف أكثر من 500 ألف نازح فرّوا جراء النزاع العنيف منذ أبريل/ نيسان، واجهت وضعاً إنسانياً هشاً للغاية تطلب تدخلاً عاجلاً.
صورة من: Mohammed Jamal/REUTERS
الخوف من الانتهاكات الجنسية
من بين الانتهاكات الجسيمة المبلغ عنها والتي تهدد سلامة المدنيين، انتشار الاعتداءات الجنسية ضد النساء والفتيات على يد الجماعات المسلحة، سواء أثناء الهجمات أو خلال فرارهن. وكان المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام قد وثق استخدام العنف الجنسي كأسلوب من أساليب الحرب، وقد وثّق المركز 51 حادثة اعتداء جنسي ضد النساء والفتيات في محليتي وشاطئ بحرينتي وقارسيلا بوسط دارفور.
صورة من: AFP
تقديم الإسعافات لعشرات الجرحى في طويلة
ذكرت منظمة أطباء بلا حدود أن فرقها الطبية العاملة على بُعد نحو 60 كيلومترًا من الفاشر في مدينة طويلة، اساقبلت، عشرات المرضى الفارين من المدينة إلى مستشفى طويلة المكتظ. خلال ليلة 26–27 أكتوبر/تشرين الأول وصل نحو ألف شخص من الفاشر على متن شاحنات إلى مدخل المدينة، حيث أقامت الفرق نقطة صحية ميدانية لتقديم الرعاية الطارئة وإحالة الحالات الحرجة مباشرة إلى المستشفى.
صورة من: Mohammed Jamal/REUTERS
غوتيريش يشدد على حماية المدنيين
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لا يتوانى عن تجديد دعواته إلى وقف القتال فورًا في الفاشر، مع التأكيد على حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بأمان وباستمرار. كما شدد على توفير ممر آمن لأي مدنيين يريدون مغادرة المنطقة طوعًا.