وضع الأطفال في الحروب والنزاعات.. أية حقوق تحميهم؟
١١ ديسمبر ٢٠٢٤إن أحدث تقرير عن الوضع صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) هو تقرير دامغ: طفل من كل ستة أطفال ينشأ في منطقة حرب أو نزاع. ويقول التقرير إن هؤلاء الأطفال يتعرضون "لخطر الموت الحاد" بسبب "القصف والجوع والمرض"، وأنّ العنف ضد الأطفال في النزاعات المسلحة "في أعلى مستوياته على الإطلاق".
وفي عام 2023، تم التحقق من 32,990 انتهاكاً جسيماً لحقوق الأطفال - وهذا مجرد غيض من فيض. في ضوء هذه الأرقام، نلقي نظرة فاحصة على حقوق الأطفال في النزاعات المسلحة.
حقوق تحمي القاصرين في النزاعات
إن مجموعة القواعد الحاسمة على المستوى الدولي هي اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل. وبما أن القُصّر يحتاجون إلى حماية ودعم خاصين، فقد صاغ المجتمع الدولي حقوقاً محددة للأطفال في هذه المعاهدة الدولية واعتمدها في عام 1989.
وبالإضافة إلى حقوق مثل الحق في الصحة أو الحق في اللعب، فقد تم النص أيضاً على الحق في الحماية من العنف والإساءة والاستغلال، وكذلك الحق في الحماية الخاصة في الحرب وعند الفرار. وقد تم وضع ثلاثة بروتوكولات إضافية منذ عام 1989، يتناول أحدها إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة.
"هناك تركيز واضح على الجنود الأطفال. فأي استخدام للأطفال من قبل الجيوش والجماعات المسلحة يعتبر عمالة أطفال وانتهاكاً خطيراً لحقوق الطفل، بل إن ذلك يعتبر جريمة حرب في حالة الأطفال دون سن الـ 15 عاماً"، كما يقول فرانك ميشو، وهو خبير في حقوق الطفل في منظمة Kindernothilfe (مساعدة الأطفال المحتاجين)، وهي منظمة إغاثة مسيحية من ألمانيا تنشط في 33 بلداً حول العالم.
وتتمتع اتفاقية حقوق الطفل بأكبر دعم دولي من بين جميع اتفاقيات حقوق الإنسان. فالولايات المتحدة الأمريكية هي الوحيدة التي لم تصدق عليها بعد - وهو ما يعتبر إدانة لها، كما يقول ميشو.
وهناك أيضًا لوائح وصكوك أخرى، مثل "إعلان المدارس الآمنة"، وهو إعلان بشأن حماية المدارس في النزاعات المسلحة وقعت عليه 120 دولة حتى الآن. وبذلك تؤكد الدول على أنها ستمتنع عن قصف المدارس واحتلالها عسكريًا حتى تكون بمثابة مكان خاص لحماية القُصّر من جهة، وحتى يظل التعليم ممكنًا في النزاعات والأزمات من جهة أخرى.
من يتحقق من احترام حقوق الطفل؟
يقول الخبير في حقوق الطفل ميشو: "إن لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، والتي يقع مقرها في جنيف، تقوم في الواقع بالنظر باستمرار في كل بلد في العالم لمعرفة كيفية تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل. وتُستخدم المعلومات الواردة من الحكومات والمنظمات والأفراد كأساس للتقييم".
كما تلعب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال في النزاعات المسلحة، فيرجينيا غامبا، ومقرها في نيويورك، دوراً مهماً أيضاً. وهي مسؤولة عن توثيق الانتهاكات الخطيرة بشكل خاص لحقوق الأطفال في حالات النزاع.
ويتم التمييز بين ست جرائم هي: القتل أو الإصابة، والتجنيد والاستخدام كجنود أطفال، والاعتداء الجنسي، والهجوم على المدارس والمستشفيات، والاختطاف، والحرمان من المساعدات الإنسانية.
وفي حال انتهاك حقوق الأطفال الستة هذه، توضع أطراف النزاع على ما يسمى بـ "قائمة العار". ويُدرج مرتكبو هذه الانتهاكات في هذه القائمة إلى أن يتفقوا وينفذوا خطة عمل تم وضعها بشكل مشترك.
كما يمكن أن يؤدي تجاهل حقوق الطفل إلى مثول أطراف النزاع أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. ففي عام 2023 على سبيل المثال، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقالت إن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن الرئيس الروسي "يتحمل مسؤولية جريمة الحرب المتمثلة في الترحيل غير القانوني" للأطفال الأوكرانيين. وموسكو متهمة بترحيل آلاف الأطفال من دور الأطفال وغيرها من مؤسسات الدولة إلى روسيا.
كيف يتم انتهاك حقوق الأطفال في النزاعات؟
تعرض النزاعات المسلحة والحروب الأطفال للخطر بطرق عديدة. ويقول فرانك ميشو: "في حالات النزاع غالباً ما لا يتم ضمان حتى الأساسيات مثل الغذاء الكافي والمأوى".
وبالإضافة إلى خطر التعرض للقتل أو الإصابة، غالباً ما يتم فصل الأطفال عن عائلاتهم وإجبارهم على الفرار. ويتابع ميشو قائلاً: "تؤدي هذه الظروف المعيشية غير الآمنة إلى زيادة كبيرة في الدعارة القسرية والعنف الجنسي وعمالة الأطفال". "يقع الأطفال تحت رحمة هذه الأوضاع التي بالكاد يستطيع فيها حتى البالغون الدفاع عن أنفسهم".
وعلى الرغم من تصديق جميع الدول تقريباً على اتفاقية حقوق الطفل، إلا أنه حسب اليونيسيف، تتجاهل أطراف النزاع مراراً حماية الأطفال باعتبارها إحدى "أهم القواعد الأساسية للحرب". وبالتالي فإن الفجوة بين النظرية والتطبيق هائلة.
وحسب ميشو، فإن ما يقرب من 33,000 انتهاك جسيم لحقوق الطفل التي تم توثيقها في عام 2023 هي فقط تلك "التي تم تأكيدها بالفعل عدة مرات من قبل مصادر مستقلة، أي من قبل الحكومة ومنظمات الأمم المتحدة وأطراف ثالثة. وبالتالي فإن عدد الحالات التي لم يتم الإبلاغ عنها هو دائماً أعلى بمئات المرات".
وحسب تقرير اليونيسف، كان وضع الأطفال في عام 2023 خطيرًا بشكل خاص في قطاع غزة وأوكرانيا والسودان.
ويوضح ميشو: "ربع هذه الانتهاكات لحقوق الأطفال حدثت في غزة. ويقول الكثيرون إنه المكان الأكثر فتكاً بالأطفال في العالم حالياً. فالهجمات على المدارس والمستشفيات ممنهجة لدرجة أنه لم يعد من الممكن تفسيرها بمصطلحات عسكرية".
وفي نوفمبر الماضي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أيضاً مذكرة توقيف بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة في غزة، بما في ذلك الهجمات المتعمدة على السكان المدنيين.
وحسب ميشو فإن تدابير القانون الجنائي هذه لها أكبر الأثر في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال في النزاعات والحروب: "في رأيي أن أهم شيء هو إنهاء الإفلات من العقاب وهو ما له أثر رادع".
أعده للعربية: م.أ.م