"يقعن ضحايا لأنهن نساء".. أرقام صادمة للعنف المنزلي بألمانيا
٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤
تزداد في ألمانيا جميع أشكال العنف ضد النساء. فقد تحدث أول تقرير صادر عن مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية (BKA) بعنوان "جرائم على أساس النوع الاجتماعي ضد النساء في عام 2023" عن مقتل 360 امرأة - تم قتلهن بسبب كراهية النساء نتيجة العنف المنزلي أو الانفصال. وحول ذلك قالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر (من الحزب الاشتراكي الدمقراطي): "نحن نرى كل يوم تقريبًا جريمة قتل نساء في ألمانيا. وكل ثلاث دقائق تتعرض امرأة أو فتاة للعنف المنزلي". وأضافت مؤكدة: "يقعن ضحايا لأنَّهن نساء. وهذا شيء لا يطاق".
والسؤال: مَنْ الذي يشكل خطرًا على النساء؟ هل هو الشخص الغريب الرابض في حديقة عامة مظلمة؟. في الواقع، غالبًا ما يصدر الخطر من رجال معروفين جدًا - شركاء وشركاء سابقين - يسيئون معاملة النساء ويقتلونهن. حيث يحاول كل يوم رجل في ألمانيا قتل شريكته (السابقة)، وكثيرًا جدًا ما ينجح في ذلك.
وبحسب معلومات مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية فقد قُتلت في ألمانيا 155 امرأة على يد شركائهن (السابقين) في عام 2023.
ذكرت "ديانا ب." (تم تغيير اسمها) لـDW أنَّ زوجها هددها كثيرًا بالقتل. ولذلك كان لا بد من إخفاء اسمها الحقيقي ومكان إقامتها. وقد منعت محكمةُ الأسرة زوجَها من الاقتراب منها بأي شكل. ومع ذلك فهي تأمل ألَّا يجدها قط. فقد كان يضربها طيلة سنين ويخنقها ويصيبها بجروح خطيرة. وبسبب عدم وجود شكاوى سابقة ضده، فقد أدانته المحكمة كمجرم مبتدئ وأصدرت بحقه حكمًا مع وقف التنفيذ.
وتتذكر محاميتها كورينا فيهران-إيتشرت زوجين آخرين لديهما عدة أطفال صغار. وعلى الرغم من منع الرجل من الاتصال بهذه الأم الشابة، إلَّا أنَّه استمر في ملاحقتها لأكثر من عامين بعد انفصالها. وتقول المحامية: "لقد ترصد الرجل لها في مدخل البيت - وقتلها. وكان ذلك فظيعًا".
أما "ديانا ب." فقد تمكنت بعد ثمانية أشهر من الحماية والدعم في ملجأ للنساء بمدينة كوبلنتس (كوبلنز) من بناء حياة جديدة لها ولأطفالها في مكان جديد. لقد نجت بينما ماتت مئات النساء.
تدريب على مكافحة العنف وقيود إلكترونية للقدم
من المعروف أنَّ جرائم قتل النساء لا تعتبر في ألمانيا جرائم جنائية خاصة، ويمكن إدانة مرتكبيها بجريمة القتل أو القتل غير العمد. وهذه الجرائم كثيرًا ما يسبقها عنف منزلي. تقول وزيرة الداخلية نانسي فيزر: "نحن بحاجة إلى مزيد من الصرامة ضد مرتكبي الجرائم ومزيد من الاهتمام والمساعدة للضحايا". وتطالب الوزيرة: "نحتاج - بالإضافة إلى عقوبات شديدة - تدريبًا إلزاميًا لمكافحة العنف وقيودًا إلكترونية للقدم، حتى يغير الجناة سلوكهم في الواقع ولا يعد بإمكانهم الاقتراب من النساء المتضررات من دون ملاحظتهم".
وفي هذا الصدد قالت قبل عدة أشهر الوزيرة الاتحادية لشؤون الأسرة ليزا باوس (من تحالف 90/الخضر) مؤكدة: "نحن لا نحتاج فقط إلى حزمة أمنية ضد منفذي جرائم الطعن الإرهابيين، ولكن أيضًا من أجل وقاية النساء وحمايتهن من العنف".
ومن أجل ذلك تكافح منذ فترة طويلة نساء ناشطات؛ حيث يعبرن عن احتجاجاتهن في رقصهن ضمن "حركة انتفاضة المليار" (One-Billion-Rising) العالمية (14 شباط/فبراير)، ويقمن باحتجاجات ضمن حملة الأمم المتحدة "العالم برتقالي" من اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة (25 تشرين الثاني/نوفمبر) وحتى يوم حقوق الإنسان (10 كانون أول/ديسمبر).
"قانون الحماية من العنف ينقذ أرواحًا"
وفي رسالة نارية إلى الحكومة، كتبت جمعيات معنية وأكثر من 70 ألف شخص: "لقد أعلنتم في اتفاق الائتلاف أنَّكم ستضعون قانونًا لحماية المتضررين من العنف حماية أفضل". وحذرت الموقعات على هذه الرسالة: "بدون قانون الحماية من العنف، سيموت في المستقبل أشخاص آخرون وتتدمر حياة أشخاص آخرين - لأنَّهم يبقون محرومين من حماية هم في أمس الحاجة إليها".
لقد أعدت الوزيرة ليزا باوس قانونًا للحماية من العنف والمساعدة في مكافحته، ولكن هذا القانون تعثر في التنسيق بين وزارات حكومة إشارة المرور المنهارة والتي كانت مؤلفة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي.
والآن تقول الوزيرة ليزا باوس: "النساء المعرضات للتهديد والضرب والخائفات على حياتهن لا يعنيهن بتاتًا مَنْ الذي يحكم". وتدعو جميع النواب الديمقراطيين في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) إلى التصويت لصالح هذا القانون المُعد. وقد شددت على أنَّ "قانون الحماية من العنف سينقذ أرواحًا"، ودعت إلى تطوير الاستشارات ومرافق الحماية.
ملاجئ النساء ـ قليل جدًا من الأماكن والمال
تفتقر ألمانيا إلى نحو 14 ألف مكان للنساء والأطفال في ملاجئ النساء، بحسب اتفاقية إسطنبول لحماية المرأة من العنف الصادرة عن المجلس الأوروبي. وضمن هذا السياق أظهرت دراسة أنَّ الاستثمار هنا قليل جدًا: 300 مليون يورو بدلًا من ميزانية النفقات الموصى بها من أجل الوقاية والحماية من العنف، والتي تصل حتى 1.6 مليار يورو كل عام.
وحول التمويل الطوعي، تتخذ في ألمانيا كل ولاية اتحادية وكل بلدية قرارات جديدة. وتنتقد ذلك ألكسندرا نايسيوس، مديرة ملجأ للنساء في مدينة كوبلنتس، حصلت فيه ديانا ب. وأطفالها على المساعدة. وتضيف أنَّ هذه المدينة البالغ عدد سكانها 115 ألف نسمة تحتاج أحد عشر حتى اثني عشر ملجأً لحماية النساء. لكن يوجد سبعة فقط - لذلك لا بد من رفض الكثير من النساء. وعندما تعلن في بوابة "البحث عن مأوى للنساء" Portal "Frauenhaussuche" عن توفر مكان شاغر، تأخذه إحدى المتضررات خلال ساعة أو ساعتين، كما تقول ألكسندرا نايسيوس.
الشرطة: "يجب علينا أن نعمل"
لقد نجح ملجأ النساء المعروف بـ"بيت النساء" هذا في التقدم بطلب للحصول على تمويل خاص من أجل توسيعه وتجديده. وستضاف إليه غرفتان عائليتان جديدتان وغرفة للطوارئ. ولكنه لم يحصل على موافقة لتمويل موظفين إضافيين - بالرغم من وجود حاجة ماسة إلى المال من أجل تقديم الاستشارات القانونية الاجتماعية والحساسة للصدمات.
وأقسام الشرطة ومكاتب رعاية الأطفال يجب تتمكن من إيواء النساء المعرضات للخطر داخل غرفة للطوارئ على المدى القصير، كما تقول غابرييله سلابينغ. وتضيف أنَّ بعض النساء يتصلن بالشرطة، وبعضهن يأتين بأنفسهن مع أطفالهن وحقائبهن بسبب خوفهن من أزواجهن. وهي مسؤولة لدى شرطة كوبلنتس عن قضايا العنف المنزلي . وتقول: "يكمن خلف ذلك تهديد حقيقي. يجب علينا أن نعمل". وهي تتعامل كل عام مع نحو 150 إلى 200 حالة عنف منزلي ضد المرأة وتراقب حالات شديدة الخطورة.
وتقول غابرييله سلابينغ: "أتتنا دائمًا المزيد من النساء اللواتي قلن: أنا بحاجة إلى الحماية، ولا أستطيع العودة إلى البيت، لأنَّني أتعرض للضرب وللتهديد بالقتل". وتضيف أنَّ أماكن إيواء النساء نادرًا ما تكون متوفرة بسرعة أو بمكان قريب. ولذلك تنقل شرطة كوبلنتس بعض النساء لمسافة تصل إلى 200 حتى 300 كيلومتر. ويتولى الخبراء فحص هواتفهن المحمولة لإزالة برامج التتبع والتجسس.
نساء يدفعن أجرة السكن في ملجأ النساء
وتنتقد مديرة ملجأ النساء ألكسندرا نايسيوس إلزام بعض النساء بدفع تكاليف إقامتهن بأنفسهن إذا لم يكن لديهن الحق في المساعدات الاجتماعية. وهي تحاول بالتعاون مع إحدى الجمعيات الداعمة جمع تبرعات لمساعدة المتضررات. كشفت إحصاءات ملاجئ النساء في عموم ألمانيا عن أنَّ النساء الملزمات بدفع تكاليف إقامتهن بأنفسهن يعدن بشكل خاص إلى حياة العنف.
ولذلك يتحدث مشروع قانون المساعدة في حالات العنف، الذي حصلت DW على مسودته، عن "حق الحصول على الحماية والاستشارة القانونية" يمكن المطالبة به - مجانًا لجميع المتضررات. وهذا يمكن أن يجبر ألمانيا على توفير ما يكفي من الأماكن وتمويلها.
مخرج من الخوف والعنف
و"ديانا ب." حالفها الحظ. فعندما تعرضت لآخر اعتداء خطير من قبل زوجها، تمكنت من الفرار وهي تنزف بقوة إلى محل وقف فيه أمامها رجال آخرون لحمايتها. وبعد إجراء عملية جراحية لكسور في وجهها وإقامتها في المستشفى، حصلت هي وأطفالها على غرفة في ملجأ للنساء بمدينة كوبلنتس.
وعنوان هذا الملجأ مخفي ومدخله مراقب بالكاميرات. وهكذا تمكنت هذه الأم وأطفالها من العيش بسلام بعد سنين من العنف والخوف. وهي تبتسم خلال حديثها عن الاحترام الذي قوبلت به هنا.
لقد ضربها زوجها إلى حد دخولها المستشفى وكثيرًا ما كان يعدها بعدم تكرار ذلك. أما هي فقد كانت تريد الحفاظ على أسرتها من أجل أطفالها. وهذا أمر معتاد بالنسبة للعديد من الأمهات، كما ترى ألكسندرا نايسيوس.
والعنف ضد المرأة يحدث لدى جميع الفئات الاجتماعية. ونسبة النساء المهاجرات في ملجأ النساء مرتفعة أكثر لأنَّهن يحتجن المزيد من الدعم، كما تقول ألكسندرا نايسيوس: "كثيرًا ما لا يوجد لديهن أهل وأقرباء هنا ليساعدونهن، ولا يتحدثن اللغة جيدًا ولا يعرفن القوانين".
تصاعد العنف بعد الانفصال
كانت "ديانا ب." تأمل قبل التصعيد أن تستطيع من خلال الانفصال تحرير نفسها من العنف. ومن أجل موافقة زوجها، فقد سحبت شكوى كانت مقدمة ضده. وعاشت وحيدة مع أطفالها، لكن الخطر لم ينته، كما تقول: فقد ظهر زوجها في حفل عيد ميلاد ابنها. وجرَّها من شعرها إلى القبو وهددها بالقتل وخنقها بشدة. وتبعتهم ابنتها وكانت تقول باكية: "أرجوك يا بابا، أترك أمي، أتركها، أرجوك أتركها".
وبعدما أن دفعها زوجها بعيدًا، صعدت "ديانا ب." متعثرة إلى الطابق العلوي، وصففت شعرها وتزينت لتهتم بحفلة عيد ميلاد ابنها. وتقول إنَّها شعرت بألمها لاحقًا. وتؤكد ألكسندرا نايسيوس أنَّ "هؤلاء نساء قويات جدًا".
كما أنَّهن في خطر كبير. ويعانين من الانفصال والتهديد بالقتل والتعرض للخنق، وهذه خصائص تشير إلى ارتفاع خطر القتل، كما تقول غابرييله سلابينغ من شرطة كوبلنتس، وتشير إلى خصائص مشابهة: "رجال عدوانيون جدًا، ومندفعون، يحبون السيطرة والهيمنة، وغيورون".
الأطفال ضحية العنف المنزلي
تحذر المحامية المختصة في شؤون الأسرة كورينا فيهران-إيتشرت من أنَّ "اضطرار الأطفال إلى مشاهدة العنف ضد أمهاتهم يعتبر بمثابة عنف ضد الأطفال أنفسهم". وهنا يوجد خطر التقليد: "فإما أن يبدأ الابن بالضرب أو التصرف بتسلط مثل الزوج - أو أن تصبح الابنة ضحية".
وفي ملجأ النساء بكوبلنتس، يتم تعليم الأطفال الابتعاد عن العنف وأدوار أخرى، كما يأتي إلى هنا أخصائي اجتماعي من أجل الأولاد. وألكسندرا نيسيوس تناشد النساء الراغبات في البقاء مع أزواجهن بسبب الأطفال قائلة: "رجاءً ارحلن من أجل الأطفال".
ومن جانبها لا تريد "ديانا ب." رؤية زوجها مرة أخرى. وتعرض صورة لوجهها بعد الإصابة الخطيرة. وتقول إنَّ بقاءها مع زوجها من أجل الأطفال كان خطأً: "عندما أكون بحالة سيئة، فإنَّ أطفالي يكونون بحالة سيئة أيضًا". لقد أفهمت ابنتها أنَّ عليها أن تترك فورًا الرجل الذي لا يحترمها أو حتى يضربها.
إذ إنَّ الأمل في تحسن الرجل العنيف ليس الطريق الصحيح، كما تؤكد مديرة ملجأ النساء ألكسندرا نيسيوس، مضيفة أنَّ: العنف "لا يتوقف من تلقاء نفسه".
هذا التقرير نشر أول مرة في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2024 وتم تحديثه في 19 تشرين الثالني/نوفمبر 2024 بعد تقديم التقرير الجديد الصادر عن مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية: "جرائم على أساس النوع الاجتماعي ضد النساء في عام 2023".
أعده للعربية: رائد الباش