عندما أعلنت قناة التلفزيون الألمانية الأولى (ARD) قبل أسبوعين تقريبا وفاة شخص يدعى يواخيم فيست Joachim Fest، جهل معظم مشاهدي القناة التلفزيونية الرزينة أن الحديث يدور عن مؤرخ وضع بمؤلفاته الزعيم النازي ادولف هتلر وحاشيته تحت المجهر. وفي هذا الإطار ترك أهم المؤلفات عن صفحة أليمة في التاريخ الألماني الحديث، وهي الحقبة النازية. كما أنه صحافي ترأس أكبر وأهم الصحف في ألمانيا وهي "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ" (FAZ) وإحدى أهم قنوات التلفزيون الألمانية NDR.

لكن جهل عامة الناس بشخص ما، يأتي أحيانا من طغيان ميراثه وأعماله على اسمه وشخصيته. وهذا ما حدث أيضا مع فيست، فالسيرة الذاتية التي كتبها عن الزعيم النازي ادولف هتلر (1973) معروفة جدا في ألمانيا، وهذه السيرة تعتبر مرجعا لكل مهتم يريد فهم هذه الشخصية السياسية الغريبة. وشكل كتابه الثاني "السقوط" مادة سيناريو لأحد أهم الأفلام الألمانية في العقدين الماضيين، إذ تم ترشيحه لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي. أما سيرة "شبير" (1999) التي شرّح من خلالها شخصية ألبرت شبير، مهندس الحقبة النازية وأهم المقربين من ادولف هتلر، فإنها تلقي نظرة ثاقبة على أهم شخصيات الحقبة النازية وتعتبر مرجعية لكل باحث يريد الإطلاع على هذه الحقبة.

هتلر وحكمه تحت المجهر

ولم تقتصر أعمال المؤرخ فيست على محاولة كشف الغموض في شخصية ادولف هتلر، بل أنه تطرق بأسلوب قصصي مؤثر إلى الشخصيات التي أحاطت به وساهمت في اتخاذ القرارات في ألمانيا إبان الحقبة النازية. ولم يكتف فيست بكتابة السير، بل أنه أرخ التاريخ الألماني الحديث منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى، مرورا بحقبة جمهورية فايمر والحقبة النازية إلى تاريخ ألمانيا الاتحادية بعد إعادة تأسيسها في عام 1949. ومن خلال سير هتلر وحاشيته، استطاع يوأخيم فيست (1926 ـ 2006) الارتقاء إلى مرتبة أهم مؤرخي التاريخ الألماني الحديث. فبعد إنهاء الدراسة الجامعية في مسقط رأسه برلين وكذلك في فرايبورغ وفرانكفورت، انتهى في عام 1973 من السيرة الأولى "آدولف هتلر" التي جلبت له شهرة عالمية. وفي عام 1975 نشر كتابا جديدا تطرق فيه إلى الخطب السرية للزعيم النازي هاينريش هيملر. وفي عام 1977 تم تحويل هذا الكتاب إلى سيناريو لأحد الأفلام الوثائقية التي عرض في العام ذاته أثناء مهرجان برلين السينمائي "برليناله" وحصل على استحسان المراقبين والنقاد السينمائيين.

أفضل عمل عن أيام هتلر الأخيرة

وفي عام 1992 استقال المؤرخ من منصبه كرئيس لصحيفة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ"، لكنه في الوقت ذاته، واصل عمله كمؤرخ. ففي عام 1993 تطرق فيست إلى المقاومة التي حاولت في عام 1944 اغتيال هتلر بمناسبة عيد ميلاده الخمسين. وفي عام 1999 كتب المؤرخ سيرة ألبرت شبير، مهندس هتلر وأقرب المقربين إليه. بعد ذلك وفي عام 2002 وصل فيست إلى قمة شهرته عندما بادر المخرج الألماني أليفر هيرشبيغل إلى اتخاذ روايته "السقوط" سيناريو لأهم الأفلام الألمانية في السنوات الماضية. ويتحدث الفيلم الذي رشح للحصول على جائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي عن الأيام الأخيرة التي قضاها الزعيم النازي في ملجأه. ووصف فيست في كتابه الحالة النفسية لهتلر وللناس الذين أحاطوا به في أيامه الأخيرة في ملجأ في برلين. وفي عام 2004 نشر المؤرخ كتابه "لقاءات" ووصف فيه شخصيات ألمانية مشهورة مثل هَنا آرنت وألريكه ماينهوف. وفي الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي استسلم المؤرخ للمرض في كرونبريغ بالقرب من شتوتغارت.

دويشه فيله (ن. ج)