1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

يوميات سورية - شراسة الصراع تمزق أحشاء الأسر السورية

١٤ أغسطس ٢٠١٢

أسرة أبو خالد من بلدة التل القريبة من دمشق، تعيش تمزقا بسبب انقسام آراء أفردها بين موالين لنظام الأسد ومعارضين. الأسرة اضطرت إلى النزوح إلى دمشق، وقد لاحقها التمزق، كما ترويه الحلقة الحادية عشرة من سلسلة يوميات سورية.

A Syrian woman and a girl look out from a house in Azaz, northern Syria, July 25, 2012. REUTERS/Umit Bektas (SYRIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST CONFLICT)
صورة من: Reuters

كان خروج أبو خالد مع زوجته وأولاده الأربعة من بلدة التل القريبة من دمشق تحت وابل نيران القصف المدفعي والاشتباكات العنيفة بمثابة معجزة. فقد كان الجيش النظامي يحاصر البلدة التابعة لمحافظة ريف  دمشق لمدة أسبوع ويسعى بكل ما أوتي من قوة، ومن خلال حملة عنيفة على المنطقة، للقضاء على عناصر "الجيش الحر" الذين تمركزوا في هذه البلدة الثائرة.
ولم تمض دقائق قليلة على وصول أبو خالد، قريب والدتي، إلى منزلنا، الذي يقع في إحدى أحياء دمشق الهادئة نسبيا، حتى بدأ بسيل من العبارات "التي يلقي فيها اللوم على الحرية التي تريدها المعارضة في سوريا وأنها هي السبب في تشرده من منزله مع عائلته".
فعلى الرغم من قيام عناصر الجيش الحر بتأمين خروجه من البلدة مع بقية الأهالي هربا من المدفعية وقذائف الهاون التي "كان يطلقها الجيش النظامي على بيوت الأهالي العزل"، كما تقول ابنته ندى، إلا أن ذلك لم يكن كفيلا بتغيير رأيه الذي تمسك به منذ بداية الاحتجاجات بتأييده لنظام الأسد والدفاع عنه. موقف أبو خالد هذا أدى إلى انقسام أفراد العائلة إلى طرفين: طرف يعلن الولاء لنظام الأسد وطرف آخر مع المعارضة، وهذا ما يعني حدوث حالة شبه يومية من الخلاف والتوتر وتبادل الاتهامات بين الطرفين.

 
لم ترق عبارات أبو خالد لابنته الصغرى ندى فآثرت الخروج من الغرفة خشية أن يتحول الأمر إلى مشادة كلامية بينها وبين أبيها. فندى التي تخالف أباها في الرأي تماما وتحمل نظام الأسد مسؤولية ما يحصل في سوريا إلا أنها تحاول ألا تسمح بأن يؤثر هذا الخلاف على علاقتها بوالدها لأنه "أولا وأخيرا أبوها الذي عليها طاعته واحترامه". وثانيا هي من أنصار مبدأ أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ولا مانع من أن تتنوع وجهات النظر داخل الأسرة الواحدة. ندى تعلل موقف والدها المؤيد للنظام "بدافع الخوف من فقدان الأمان الذي لطالما تمتع به السوريون في السنوات السابقة، ودخول البلاد في حرب أهلية بدأت تباشيرها تلوح في الأفق منذ بداية الاحتجاجات".

براءة أطفال سوريا تحت القصف والدمار (صورة من الارشيف)صورة من: AP

ندى لا تخفي أيضا خشيتها من تغيير بعض أهالي بلدتها لموقفهم المعارض للنظام وذلك بسبب ما يصفونه بأخطاء المعارضة المسلحة المنضوية تحت لواء "الجيش الحر". فهي أوضحت لي بأن هناك من يحملونهم (عناصر الجيش الحر) مسؤولية ضرب بلدتهم بعد إعلانهم سيطرتهم عليها. من هنا ترى ندى أنه يجب على الجيش الحر ألا يعلن عن تحرير أي منطقة من سوريا وإبقاء ذلك سرا، لأن رد فعل النظام ستكون كارثية على المنطقة وأهلها وبالتالي ينعكس ذلك سلبا على الحاضنة الشعبية التي تحتضن المعارضة والجيش الحر على الخصوص.


قطع كلامي مع ندى صوت أخيها خالد المرتفع وهو يوافق على رأي أبيه في حديثه على اعتبار أنهم من نفس الطرف المؤيد. وقصة خالد نفسه مثيرة جدا وتشبه قصص الكثيرين من السوريين في هذه الأيام. فهذا الشاب الذي لطالما ادعى بأنه من أنصار الأسد وهو لا يزال على موفقه بعد مرور عام وسبعة أشهر على الاحتجاجات المناهضة لنظام الأسد، دفع ثمنا غاليا لذلك. فموقفه السياسي هذا الموالي للنظام أثر بشكل سلبي على حياته الشخصية. رجل الأعمال الشاب انفصل عن خطيبته بسبب موقفها المعارض للنظام منذ بداية الاحتجاجات.

وعلى الرغم من اعتراف خالد "بأن النظام ليس بريئا من المجازرالتي تحصل في سوريا الآن وأن القاعدة الشعبية المؤيدة للرئيس السوري بشارالأسد قد انخفضت بشكل كبير، إلا أنه يعتبر أي شخص يحمل السلاح ضد النظام إرهابيا يتوجب ملاحقته ولا بديل عن الحوار للخروج من هذه الأزمة".
إلا أن ندى تستبعد أن يكون تأييد أخيها خالد للنظام لأسباب مبدئية. فهي ترى أن تضرر مصالحه الشخصية الاقتصادية، بعد أن توقف معمل الألبسة الذي يملكه عن العمل بسبب تدهور الوضع الأمني، هو السبب في تمسكه بهذا الموقف بغض النظر عن التبريرات السياسية التي يسوقها. وتضيف ندى بأن ما دفع خالد لهذا الموقف ينسحب على الكثيرين من السوريين الذين "يفضلون حياة الاستقرار بعد أن تضررت مصالحهم الاقتصادية بفعل هذه الأزمة، خاصة أنه لا تلوح في الأفق أية إشارة فعلية لنهاية الحالة التي عليها البلاد".


بعد أن عدت إلى غرفة الجلوس مع ندى حاولت جاهدة الحد من حالة التوتر التي سادت نتيجة تشبث كل طرف برأيه، إلا أن جميع محاولاتي باءت بالفشل وبقي الأمر على ما هو عليه، إلى أن دقت الساعة الثانية ظهرا حين أدارت والدتي التلفاز إلى أحدى المحطات "المغرضة " كما يطلق عليها أبو خالد لمشاهدة نشرة الأخبار.

الأسر السورية فقدت وحدتها وتماسكها بسبب الانقسام إزاء مجريات الأزمة(صورة من الارشيف)صورة من: Gaia Anderson

وتعبير المحطات "المغرضة" عند أنصار النظام السوري ينطبق بالخصوص على قناتي الجزيرة والعربية الفضائيتين وعلى محطات التلفزة العالمية بدرجة أقل. رغبة أمي في مشاهدة نشرة الأخبار من واحدة من تلك المحطات "المغرضة" كانت بالنسبة لأبو خالد بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وهو رأى فيها بمثابة طرد له من بيتنا الذي آواه مع عائلته. فحسب المثل القائل في سوريا في هذه الفترة: "قل لي ماذا تشاهد أقل لك من أنت" اعتبر أبو خالد والدتي من الطرف "الخائن" المعارض للنظام، وبالتالي عليه اتخاذ موقف حاسم. فما كان منه إلا أن سارع إلى حمل أمتعته وسط ذهول جميع الحاضرين وخرج من البيت غاضبا ودون وداع، وبعد أن أطلق عبارته التي صارت شهيرة وسط عائلتنا: "لن أبقى عند هؤلاء العملاء".

سوسن محروسة ـ دمشق

مراجعة: منصف السليمي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW