1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

يوميات سورية ـ اسطوانة الغاز المنزلية.. حلم يتسرب من البيوت

Rainer Sollich١٥ يوليو ٢٠١٢

أضحت الطوابير الطويلة أمام مراكز توزيع الغاز المنزلي من المظاهر اليومية المألوفة بدمشق. هذه الطوابير لا تتخللها المشاجرات فحسب، بل إطلاق النار وسقوط ضحايا أيضا. الحلقة الثالثة من يوميات سورية تتناول "الاسطوانة الحلم".

epa03204993 A Syrian man carries a gas cylinder as he walks with family past a group of UN observers in the central province of Homs, Syria, 03 May 2012. According to local sources, the head of the observer team, Norwegian Major-General Robert Mood agreed to let foreign and Syrian media accompany them as they tour the central provinces of Homs and Hama. A group of UN observers are monitoring the ceasefire between the government troops and rebels which started since 12 April. EPA/YOUSSEF BADAWI pixel
صورة من: picture-alliance/dpa

علم سوري يرفرف من بعيد.. مئات من الرجال والنساء يتجمعون في طابور طويل يمتد طولاً وعرضاً، ويوحد الشارع والرصيف... الشمس تتوسط السماء وأنا والجموع نتوسل الظل.. الوقت يمر والدقائق تصبح ساعات ونحن في الطابور مرابضون على الانتظار لا شيء يسلينا سوى دردشات سريعة متقطعة ومتقاطعة مع الهدف الحلم "اسطوانة الغاز" (قنينة الغاز) ..

" أقدامي لا تحملني... الطابور طويل... بس إن شاء الله هانت"، يقول العم أبو أحمد وهو يفتح كرسيه الصغير القماشي بقربي على حافة الرصيف أمام أحد مراكز توزيع اسطوانات (قناني) الغاز في دمشق بانتظار طويل للحصول على واحدة بالسعر النظامي (400 ليرة سورية)، بعدما وصل سعرها في السوق السوداء إلى (2600 ليرة سورية).

مشهد الطوابير بات مألوفاً في العاصمة السورية، التي شهدت أزمة مماثلة منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي، حينها شكلت اسطوانة الغاز المنزلي مادة غنية للتندر باعتبارها الهدية الأمثل في عيد الحب. إلا أن التندر والمزاح يغيب اليوم مع اشتداد أمد الأزمة وارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة في السوق السوداء منذ إعلان وزارة النفط خفض الإنتاج بنسبة 50 بالمائة أواخر شهر نيسان/ أبريل الماضي، والسبب بحسب التصريحات الرسمية يعود إلى العقوبات المفروضة على البلاد فيما يخص استيراد ونقل الغاز المنزلي. الإنتاج اليومي لوحدات تعبئة الغاز انخفض من 220 ألف اسطوانة يوميا إلى 110 آلاف اسطوانة، أي ما يعادل حوالي 3 ملايين اسطوانة شهرياً.

تفاقمت أزمة الغاز إثر انطلاق الاحتجاجات المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد، مظاهرة في حي جوبر بدمشق، أرشيف.صورة من: REUTERS

"هل يعتقد من يضع العقوبات أن المسؤولين سيقفون بالطوابير للحصول على اسطوانة غاز؟ هؤلاء اسطواناتهم تصل إلى بيوتهم دون أن يتكبدوا عناء دفع ثمنها ولا حتى حملها"، يخبرني أبو أحمد بغضب. ويشير أبو أحمد إلى رجل في الثلاثينات يقف على الرصيف المقابل ويقول: "عرض الرجل عليّ شراء اسطوانة غاز بـ 2600 ليرة، أنا لا أستطيع دفع ربع راتبي التقاعدي ثمناً لقنينة غاز"، يبتسم بسخرية ثم يسألني بجدية: " صحيح الحكومة خفضت وزن الاسطوانة؟".

وقبل أن أجيبه يسارع شاب في العشرينات بالرد: " نعم حجي.. خفضوا وزنها 2 كيلو غرام من أجل راحة المواطن أثناء حملها". نغرق ثلاثتنا في نوبة ضحك قبل أن يجلس الشاب أرضا بجانب أبو أحمد ويشعل سيجارة ويبدأ بنفث الدخان بعصبية.

تخفيض حجم اسطوانة الغاز دون سعرها كان الإجراء الرسمي الوحيد الذي اتخذته وزارة الاقتصاد لمواجهة الأزمة، القرار الذي هاجمته جمعية حماية المستهلك بدمشق واعتبرته أمراً خاطئاً بكل المقاييس، أصبح ساري المفعول منذ السابع من شهر حزيران/ يونيو الماضي. "المشكلة ليست في العقوبات وإنما بالمحسوبية يا آنسة"، يقول الشاب ويوافقه الرأي أبو أحمد خصوصا أن الغاز متوفر في السوق السوداء بشكل معلن ومن دون أي تخوف من الأجهزة الرقابية. "ما حدا (لا أحد) سأل علينا"، يقول الشاب بمرارة.

معاناتنا المستمرة للظفر باسطوانة غاز باتت هماً يومياً لا يخلو من المخاطرة، فقط لقيت امرأتان حتفهما في حي التقدم والحجر الأسود بدمشق نتيجة الازدحام والعراك على اسطوانات الغاز، إحداهما توفيت عن طريق الخطأ بإطلاق النار من أحد عناصر الشرطة المكلفين الإشراف على عمليات التوزيع وتنظيم الدور، والأخرى قتلت بسقوط اسطوانة عليها. كما قتل رجل أثناء مشاجرة مع آخر على الدور تشطيباً بالسكين. ويضاف هؤلاء إلى آلاف الضحايا من المدنيين والعسكريين الذين سقطوا منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظام الرئيس الأسد قبل 16 شهرا. كما أدت هذه الاحتجاجات أيضا إلى تهجير عشرات الآلاف من المواطنين السوريين داخل وخارج بلادهم.

مع استفحال أزمة الغاز عاد السوريين إلى ما كان أجدادهم يستخدمونه، في الصور بوابير كاز قديمة كانت تباع كأنتيكة، أرشيفصورة من: DW

الرغبة في الهروب من الطوابير وساعات الانتظار الطويلة غير المحسومة النتائج، دفعت بالكثيرينمن السوريين إلى التزاحم أمام ورش ومحال تصليح بوابير الكاز في دمشق القديمة التي كانت تباع في الأسواق قبل أشهر قليلة كقطع تراثية. وقد شجعهم على ذلك تصريحات وزير النفط السوري الأخيرة التي دعا فيها إلى استخدام بدائل متاحة كاستخدام الكاز المتوفر في عدد كبير من محطات الوقود بسعر 40 ليرة سورية للتر الواحد، في إشارة تبدو واضحة إلى غياب حل حكومي جذري لأزمة الغاز في القريب العاجل.

الأزمة أنعشت أيضاً سوق السخانات والأفران الكهربائية، ولأن الحاجة أم الاختراع فقد غزا الأسواق السورية نوع جديد من بوابير الغاز يتألف من منصب معدني وخزان جانبي سعته لتر ونصف اللتر. ويختلف هذا النوع عن بابور الكاز المعروف القديم بأن آلية تشغيله أسرع ولا تصدر عنه روائح مزعجة وتتراوح أسعاره ما بين 2500- 3000 ليرة.

إلا أن أزمة الغاز لم تقف عند حدود الأفراد والبيوت، بل تجاوزتها إلى المطاعم والأفران ومحلات بيع الأطعمة الجاهزة. "مع عدم توفر المازوت أصبحت أحتاج إلى اسطوانة غاز كل يوم"، يخبرني الشاب الذي اضطر إلى إغلاق فرن المعجنات الصغير الذي يمتلكه بسبب عدم قدرته على تأمين الغاز. ويضيف الشاب بأسى قائلا: "أغلقت المحل ولكنني لا استطيع إغلاق بيتي...من أسبوع و..".

يتوقف الشاب فجأة عن الكلام ليدخل في مشادة كلامية حادة مع شخص يحاول تجاوزه في الطابور الطويل الذي تجاوز طول النهار، والذي انتهى أيضاً بابتسامة انتصار من العم أبو أحمد "سلمت الاسطوانة الفارغة ودفعت ثمن أخرى جديدة واستلمت إيصالاً ولكنني لم أستلم العروس – يقصد الاسطوانة- بعد". صبر أبو أحمد ودأبه على الانتظار لمدة ثلاثة أيام لم يذهب سدى والأمل مازال موجودا بأن يحالفني حظ مماثل أنا والمئات من المحتشدين للحصول على الاسطوانة "الحلم"..

ملك كامل، صحفية سورية تقيم في دمشق

مراجعة: أحمد حسو

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW