1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

في عهد محمد السادس.. كيف تعامل المغرب مع حقوق الإنسان؟

إسماعيل عزام
٣٠ يوليو ٢٠١٩

يكمل الملك محمد السادس عقدين من حكم المغرب، في حصيلة تتباين على جميع المستويات، فما هي أبرز الوقائع الحقوقية لهذه المرحلة؟ وهل ما جرى من خروقات يمثل حالات معزولة أم سياسة ممنهجة؟ وهل صحيح أن السلطة بدلت توجهها؟

Francois Hollande Receives King Mohammed VI of Morocco - Paris
صورة من: picture-alliance/abaca/L. Christian

بين من يرى أن "العهد الجديد" شكّل قطيعة مع الماضي بقرارات جريئة واستراتيجيات ضخمة غيّرت شكل البلاد، وبين من يشدّد أن التحوّلات التي شهدها المغرب منذ 1999 لم ترق بعد إلى طموحات المواطنين، وأنها لم تحقق مطالب المعارضة والأطياف المستقلة في مغرب يضمن الكرامة للجميع، تتعدد الآراء حول ما تحقق خلال عشرين عاماً من حكم الملك محمد السادس.

ويعدّ المجال الحقوقي أكبر ملفات الخلاف، فإن كان الجميع تقريباً يقرّ بأن عهد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان قد ولّى ولم تعد البلاد تأوي معتقلات سرية يموت فيها المعتقلون ببطء كـ "تزمامارت" أو حالات اختفاء قسري ينتهي فيها مصير المعارضين إلى المجهول، فإن الكثيرين لا يتشاطرون الرؤى ذاتها حول مدى التزام الدولة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، خاصةً تلك المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، أو الحريات الفردية، وأحياناً حتى بعض الحقوق الاجتماعية.

صعوبة البدايات

استلم محمد السادس تركة ثقيلة غداة وفاة والده الحسن الثاني، بدءاً من تأكيد القطيعة مع سنوات الرصاص، مروراً بفتح مجال أكبر أمام حرية التعبير، وانتهاءً بإعلان خطط جديدة لمراجعة قوانين تمسّ فئات اجتماعية، فكانت هيئة الإنصاف والمصالحة التي مكّنت ضحايا الانتهاكات الجسيمة من جبر الضرر عبر الاعتراف بما لحقهم وتمكينهم من تعويضات مالية -رغم إفلات الجلادين من العقاب-، وكانت مدونة الأسرة لعام 2004 التي اعترفت بعدد من حقوق المرأة، كما عاشت الصحافة المطبوعة حينئذ عصرها الذهبي بالمغرب، إذ تقوّت الصحافة المستقلة التي تطرّقت لملفات غاية في الحساسية، منها ما يرتبط بالقصر بشكل مباشر.

محمد السادس عام 2002صورة من: AP

بيدَ أن هذا الانفتاح لم يكن لغرض حقوقي خالص، وفق ما يراه الناشط الحقوقي أحمد عصيد: "الانفتاح كان مدروساً ومهيأً له من لدن الملك الراحل الحسن الثاني بهدف تجديد شرعية الملكية، خاصة بعد ما جرى في سنوات الرصاص".  ولأجل "تجديد شرعية العرش"، يضيف عصيد في حوار مع DW عربية، تم التطرّق إلى خمسة ملفات فتحت للملك الشاب المجال لتـأكيد اختلاف شخصيته، هي: الحكم الذاتي في ملف الصحراء، والتنوع الثقافي، خاصة الاعتراف بالأمازيغية، ثم الإصلاح الدستوري الذي تأخر حتى 2011، فضلاً عن مدونة الأسرة والقطع مع سنوات الرصاص.

بيدَ أن يونس دافقير، رئيس تحرير جريدة الأحداث اليومية، يرى أن هذه "المصالحات" لا ترتبط فقط بضمان سلسٍ للعرش، مستدلاً على ذلك أن تاريخ إجرائها كان من عام 2004 فما فوق، أي بعد سنوات على انتقال العرش للملك الجديد. ويتابع دافقير لـDW عربية أنه كان طبيعياً أن يختلف أسلوب الملك محمد السادس عن سلفه، لأنه ينتمي إلى جيل مختلف، وتلقى تكويناً مختلفاً، واستلم الحكم في محيط سياسي وثقافي مختلف تماماً عن الأجواء التي وسمت فترة والده.

بداية السلطوية؟

غير أنه مع الأحداث الإرهابية في 16 أيار/ مايو 2003، بدأ مراقبون الحديث عن تراجع في حقوق الإنسان، إذ أدانت منظمات حقوقية ما اعتبرته حينئذ "ممارسات غير قانونية" بحق أكثر من 1500 شخص اُعتقلوا بعد الأحداث في إطار قانون الإرهاب، كما أكد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في تقريره لعام 2004 وقوع خروقات، منها ما جرى خلال فترات الحراسة النظرية (الاعتقال على ذمة التحقيق).

خلفت الهجمات التي لم تتبناها أيّ جهة بشكل رسمي 45 قتيلاًصورة من: picture-alliance/dpa/EPA/K. Shilaki

هذا الوضع انسحب بشكل جزئي على مجالات أخرى، خاصة في الصحافة المستقلة، التي عانت بعض عناوينها خلال هذه السنوات تضييقاً، استهدف بالأساس حصصها من العائدات الإعلانية، بل وصل حدّ إجراء محاكمات انتهت بغرامات ثقيلة، ما ساهم في إفلاس بعض التجارب الصحفية كمجلتي "لوجورنال" و"نيشان".

ويشير أحمد عصيد إلى أن مرحلة ما بعد 2003 كانت في المجمل امتداداً للسنوات التي سبقتها وظهرت فيها إرادة حقيقية للتغيير من لدن القصر، لكن رغم ذلك، ظهرت بعض المؤشرات على عودة تدريجية للسلطوية، يستطرد المتحدث، ومن ذلك ما جرى عام 2007، عندما رفضت السلطة مطالب الحركة الحقوقية بضرورة فتح المجال أمام دستور جديد.

ويرتبط الجانبان الحقوقي والسياسي بشكل وطيد خلال هذه المرحلة، فقد شهد المغرب خروجاً عن المرجعية الديمقراطية في انتخابات 2002 بتعيين وزير أول غير منتم حزبياً، ثم عزوفاً سياسياً كبيراً في انتخابات 2007 أسفر عن حكومة أُزيحت بانتخابات مبكرة بعد تداعيات "الربيع العربي".

وفي رأي دافقير، فإن الهجوم الإرهابي عام 2003 شكل صدمة للمجتمع، وبالأخص للأجهزة الأمنية والقضائية التي لم تراكم تجارب في التعامل مع حالات مماثلة، ولم تتوفر على أدواتٍ في هذا المجال، لكن تم تدارك الخروقات فيما بعد عبر عدة مبادرات حقوقية، وفق رأيه، إذ يتحدث عن أن "فترة محمد السادس أضحت فيها حماية حقوق الإنسان خياراً استراتيجياً للدولة، وإن كانت هناك تجاوزت وخروقات، فالأكيد أنها ليست سياسة دولة بقدر ما هي حالات معزولة أو مشاكل في التنفيذ".

ماذا يقول الحاضر؟

تمكّن المغرب من تجاوز عواصف "الربيع العربي" بأقل الأضرار عندما أعلن الملك عن دستور جديد هو الأول في عهده، وشهد عام 2011 ارتفاعاً واضحاً لمنسوب حرية الرأي والتعبير، خاصة مع بداية العصر الذهبي للشبكات الاجتماعية، كما تم الإفراج عن معتقلين إسلاميين وتم تحويل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى مجلس وطني، وشهد الإعلام العمومي طفرة في النقاش السياسي.

توجه الملك بخطاب للشعب يوم 9 مارس 2011 أعلن فيه عن إصلاحات جديدةصورة من: picture-alliance/dpa

لكن الآراء تختلف بين من يرى أن المغرب استمر على النهج ذاته، وبين من يرى بوقوع ردة حقوقية بدءاً من نهايات 2013، بل إن عصيد يرى أن "الربيع العربي" كان وبالاً على المغرب، إذ استغلت السلطوية تداعياته اللاحقة لأجل أن تحاول العودة إلى ما فترة ما قبل 1999.

وما جعل المنظمات الحقوقية الدولية وأخرى مغربية توجه سهام نقدها للدولة، ما يجري من محاكمات لمعتقلي حراك الريف، وكذلك لمعتقلي احتجاجات مدينة جرادة (تم إطلاق سراحهم بعفو ملكي)، فضلاً عن شكاوى من رفض الترخيص لأنشطة حقوقية، ووجود صحفيين ونشطاء حقوقيين خلف القضبان أو محاكمة بعضهم بناءً على تهم تخصّ المسّ بأمن الدولة، في وقت أعلنت فيه وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، عن أوّل تقريرٍ  حكومي يخصّ  حقوق الإنسان خلال السنوات الثماني الأخيرة، وما حققه المغرب خلالها من "إنجازات" و"مكتسبات".

عقوبات الأمس بعباءة اليوم!

وهناك من يرفض ربط الاعتقالات التي تجري مؤخراً بقضايا حرية الرأي والتعبير أو حتى الحق في الاحتجاج، وهو ما يعبّر عنه يونس دافقير: "هناك قراءة مغلوطة لما يجري سببها أن حقوق الإنسان أضحت ملجأ لتنفيذ أجندات سياسية"، يقول المتحدث ذاته، مبرزاً أنه "لا يوجد صحفي واحد معتقل بسبب كتاباته، فالاعتقال يعود إلى قضايا حق عام"، كما أنه "لا يوجد قرار بمنع التظاهر، فالحالات التي صدرت فيها عقوبات، هي حالات ارتكب فيها بعض المتظاهرين أفعالاً تقع تحت طائلة القانون الجنائي"، ويعطي دافقير المثال بملف المعتقلين في "حراك الريف"، إذ بت القضاء في الملفات بناءً على واقع التخريب وإضرام النيران وغير ذلك وِفق قوله.

إلّا أن أحمد عصيد يذهب إلى رأي آخر، فـالسلطة تخلت عن أساليب التضييق القديمة كالاختفاء القسري والتعذيب الممنهج، ولجأت بدلاً عن ذلك إلى أساليب جديدة يقوم جوهرها على التوجه إلى الحياة الخاصة لمن يبدون مواقف نقدية حادة، وتقديمهم أمام القضاء بملفات أخلاقية، أو اعتقالهم لتهم أخرى تحت فصول القانون الجنائي، وذلك كي لا يتم تصوير المحاكمة على أساس أنها محاكمة سياسية أو من قضايا حرية التعبير. ويعطي عصيد المثال بناصر الزفزافي، متزعم حراك الريف، الذي  كان يخاطب الملك في بعض فيديوهاته المباشرة بشكلٍ غير محترم، لكنه واجه تهماً أخرى أمام القضاء لأجل التغطية على الأسباب الحقيقية لاعتقاله وفق حديث عصيد.

-إسماعيل عزام

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW