لم يكد الصراع في شرق أوكرانيا يهدأ قليلا، حتى جاء تدخل روسيا في سوريا. في عام 2015 عادت روسيا إلى الساحة العالمية بشكل أقوى من ذي قبل، خاصة عبر البوابة السورية. فرص جديدة ظهرت، لكنها تشمل مخاطر إضافية.
إعلان
لا يحدث كثيراً أن يمدح الرئيس الروسي الولايات المتحدة. يوم السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر كان أحد هذه الأيام، حين قال بوتين، غير مصدق نفسه، إن الخطة الروسية للحل في سوريا تتفق مع الجوانب الرئيسية في الخطة الأمريكية، وإن روسيا ستدعم المبادرة الأمريكية الجديدة لإنهاء الصراع في سوريا.
قبل ذلك بيومين كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد زار موسكو وتمشى في شارع "أربات" وسط العاصمة الروسية واشترى الهدايا التذكارية، وكانت هذه صور رمزية لم تحدث منذ سنوات.
وكتبت صحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية واسعة الانتشار عن "انفراج" محتمل في العلاقات الروسية الأمريكية، التي كانت متجمدة بسب الأزمة الأوكرانية. والسؤال الرئيسي يدور بخصوص إمكانية التوصل إلى اتفاق حول مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد. الأمريكيون يطالبون باستقالته، وروسيا تدعمه بما في ذلك الدعم العسكري.
العود إلى الساحة الدولية عبر البوابة السورية
يرى الناشر الروسي قنسطنطين إيغرت في حديثه مع DW، أن"بوتين هزم باراك أوباما مجدداً". فتدخل بوتين في سوريا، فاجأ الغرب وأجبر "الولايات المتحدة على التحدث معه على قدم المساواة". كما أن زعيم الكرملين نجح في خلق واقع جديد جعل من أزمة أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم أمراً ثانويا، كما يقول إيغرت.
منذ نهاية أيلول/سبتمبر تتدخل روسيا في سوريا، حيث كانت الكلمة هناك للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وبوجود مقاتلات روسية على الأراضي السورية، فإن موسكو تعود إلى الساحة الدولية منذ انسحابها من أفغانستان عام 1989. وفي حين تقول روسيا إنها تقاتل تنظيم "داعش"، تقول الولايات المتحدة، إن القنابل الروسية تصيب مواقع المعارضة السورية وإن روسيا تزيد الوضع تعقيدا.
في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي ازداد الوضع تعقيدا حين أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية من طراز سوخوي 24. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ سنوات، التي تسقط فيها دولة من حلف الناتو مقاتلة روسية. رد موسكو كان عبر فرض عقوبات اقتصادية صارمة على أنقرة وزيادة وجودها العسكري في سوريا.
نظام عالمي جديد وضد العزلة
يقول ديميتري ترينين، مدير معهد كارنجي في موسكو، إن روسيا تريد "الحيلولة دون هزيمة الأسد وسيطرة داعش على دمشق". ويرى الخبير الروسي في سياق أوسع من خطط بوتين، أنه و"كما هو الحال في أوكرانيا، فإن سوريا هي خطوة موجهة ضد النظام العالمي الحالي، الذي يقرر قضايا الحرب والسلام من خلال الولايات المتحدة وحلفائها"، ويضيف ترينين أن "بوتين كسر هذا المبدأ".
زابينه فيشر من معهد الدراسات الأمنية والاستراتيجية في برلين تتناول في تحليلها جانبا آخر وترى أن أحد أهداف روسيا من التدخل في سوريا هو "كسر عزلة روسيا لدى الغرب بسبب ضم القرم والنزاع في أوكرانيا. لكن النجاح الذي توقعته موسكو لخطتها لم يحدث. والتحالف الدولي ضد الإرهاب الذي طالب به بوتين في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يتشكل بعد". ولا تتوقع زابينه فيشر أن يتم ذلك في المستقبل، لأن "أهداف ووسائل الجهات الفاعلة مختلفة جدا".
هل تدفع أوكرانيا الثمن؟
تنظر أوكرانيا بعين الريبة إلى التقارب بين موسكو وواشنطن بشأن الملف السوري. ويؤكد سياسيون غربيون أن "المساعدة" التي تقدمها روسيا في الحرب ضد الإرهاب لن تجعلهم يستبدلون موقفهم الناقد للسياسة الروسية في أوكرانيا، بينما يرى قنسطنطين إيغرت أن "كييف ستدفع ثمن التفاهم بين موسكو وواشنطن". وشهد عام 2015 نقطة تحول في نزاع أوكرانيا حين تصاعدت حدة المعارك في شرق البلاد، مما استدعى قيام المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي بزيارة كييف وموسكو، حيث توسطا في مدينة مينسك عاصمة بيلاروسيا بين الرئيس الروسي بوتين والأوكراني بوروشينكو. وكانت النتيجة التوقيع على اتفاقية مينسك 2، لوقف القتال في شرق أوكرانيا بعد الانهيار السريع لاتفاقية سبتمبر 2014.
تعاون أم تنافس؟
اتفاقية مينسك "تهدد بموت بطيء"، يقول الكاتب الألماني فينفريد شنايدر- ديترز المقيم في كييف. وهو يتنبأ بأن يتم تجميد الصراع في شرق أوكرانيا فيما ستواصل روسيا دعم المناطق الانفصالية، لكن دون ضمها كما ضمت شبه جزيرة القرم. ويشاركه في هذا الرأي ديميتري ترينين في موسكو ويقول: "لقد انتهت ذروة الأزمة".
ويرى كثير من المحللين أن عام 2015 لم يشكل نقطة تحول في العلاقة بين موسكو والغرب، وأن التوترات من المرجح أن تدوم. وعلى الرغم من أنه سيكون هناك تعاون محدود في عام 2016 في الحرب ضد "الدولة الإسلامية"، إلا أن التنافس والمواجهة ستبقى مهيمنة على العلاقة بين روسيا والغرب.
بعد صداقة حميمة.. توتر وعداء بين "القيصر" و"السلطان"
تشهد العلاقات الروسية التركية أسوأ أزمة دبلوماسية منذ الحرب الباردة إثر إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية. ويدور اختبار قوة عنيف بين رئيسي البلدين رغم روابط الصداقة السابقة، وهو ما بات يعتبر مواجهة بين "السلطان" و"القيصر".
صورة من: Reuters/Umit Bektas
يدور حاليا خلاف بين تركيا وروسيا بعد أن أسقطت أنقرة مقاتلة روسية على الحدود السورية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. ويدور اختبار قوة عنيف بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان رغم روابط الصداقة التي كانت تجمع بينهما، وهو ما يهدد العلاقات بين البلدين التي باتت توصَف كمواجهة بين "السلطان" و"القيصر". تاريخ الصورة: 15/ 11/ 2015 في قمة مجموعة العشرين بأنطاليا التركية.
صورة من: picture alliance/ZUMA Press
أنقرة تقول إن المقاتلة الروسية انتهكت المجال الجوي التركي وتم تحذيرها مرارا. وتقول موسكو إن الطائرة كانت فوق سوريا حيث تقوم روسيا بحملة جوية لدعم الرئيس الأسد في الحرب المستمرة منذ نحو خمس سنوات. وتقول روسيا إنها تستهدف تنظيم "داعش"، في حين يقول مسؤولون غربيون إن عددا قليلا جدا من الغارات الجوية الروسية تستهدف التنظيم وإن معظمها تضرب جماعات المعارضة السورية التي يدعمها الغرب.
صورة من: picture-alliance/dpa/Anadolu Agency
وشن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجوما شديدا على تركيا محذرا إياها من أنها "ستندم على ما فعلته" ومؤكدا أن قيامها بإسقاط المقاتلة الروسية على الحدود السورية عملية غدر لن تنساها روسيا أبدا. واتهم الجيشُ الروسي الرئيسَ التركي رجب طيب أردوغان وعائلته بـ"الضلوع" في شراء النفط من تنظيم "داعش".
صورة من: Reuters
ولم يتأخر الرئيس التركي بالرد على ما وصفه بأنها اتهامات "غير أخلاقية" من جانب روسيا إليه والى أفراد عائلته بأنهم يستفيدون من المتاجرة بالنفط مع تنظيم "داعش"، متهما بدوره موسكو بالضلوع في هذه التجارة. وقال أردوغان: "لدينا إثباتات بأن روسيا متورطة في تجارة النفط مع داعش".
صورة من: Reuters/U. Bektas
استدعت تركيا السفير الروسي لدى أنقرة بعد نشر صور لعسكري روسي يحمل قاذفة إطلاق صواريخ على سفينة عسكرية روسية أثناء مرورها في مضيق البوسفور. ووصفت أنقرة صور العسكري الروسي بـ "الاستفزاز" في أوج الأزمة الدبلوماسية بين موسكو وأنقرة منذ إسقاط سلاح الجو التركي الطائرة الروسية. ونشرت عدة وسائل إعلام تركية صورة الجندي الروسي وهو يحمل قاذفة إطلاق صواريخ على كتفه على بارجة روسية.
صورة من: Youtube/komik videolar
فرضت روسيا الغاضبة عقوبات على تركيا ومنها إعادة العمل بنظام التأشيرة للمواطنين الأتراك ابتداءً من أول عام 2016، وحظر استيراد الخضر والفواكه التركية. وقالت أنقرة إنها ستفرض عقوبات على روسيا إذا اقتضت الضرورة لكنها لا تزال مستعدة لإجراء محادثات مع موسكو.
صورة من: picture-alliance/dpa
يتوقع البنك الأوروبي للإعمار والتنمية أن أثر العقوبات على تركيا سيكون "ملحوظاً لكن ليس بشكل كبير على إجمالي الناتج المحلي التركي"، أما بالنسبة لروسيا فسيبقى التأثير "محدودا" إلا إذا تأثرت صادرات الطاقة فعندها سيكون سلبيا، لأن تركيا ثاني سوق لصادرات الغاز الروسية. إردوغان قال إن بلاده يمكنها إيجاد مزودي طاقة آخرين غير روسيا. ويرتبط اقتصادا البلدين بشدة خصوصا في مجالات الطاقة والسياحة والبناء.
صورة من: picture-alliance/dpa
البنوك التركية ستُستثنى من العقوبات الروسية لتتفادى بذلك حملة تشنها موسكو قد تسبب خسائر لتركيا تصل إلى تسعة مليارات دولار انتقاما من إسقاط الطائرة الروسية.
صورة من: picture-alliance/epa/S. Suna
وأعلنت روسيا أنها انتهت من برنامج لإعادة نحو 9 آلاف مواطن كانوا في رحلات سياحية في تركيا، وذلك في أعقاب التوترات التي أثارها إسقاط تركيا للطائرة العسكرية روسية. وبحلول يوم الإثنين 07 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لم يبقَ سوى نحو 10 سائحين في تركيا من إجمالي 9 آلاف روسي.
صورة من: AP
من ناحية أخرى اتهم العراق تركيا بانتهاك سيادته بنشر قوات مدججة بالسلاح في معسكر قرب خط الجبهة في شمال العراق. لكن أنقرة قالت إن وجود تركيا في الموصل يهدف إلى المساهمة في قتال العراق ضد تنظيم "داعش" وإنه سيستمر بالتنسيق مع العراق. ومن غير الواضح ما إذا كانت روسيا تنوي إثارة الشكاوى العراقية في مجلس الأمن أو ما إذا كان الوفد الروسي يريد من المجلس أن يتخذ إجراءات.
صورة من: picture-alliance/dpa/Sirnak
قالت وسائل إعلام تركية إن أنقرة أوقفت بارجة روسية في ميناء سامسون (شمال) على البحر الأسود بسبب نقص في الوثائق في حين سمح لثلاث بوارج أخرى بمغادرة الميناء. (الصورة رمزية).
صورة من: AFP/Getty Images
وفي ظل حرب الاتهامات بين روسيا وتركيا عقد وزير الخارجية الروسي لافروف اجتماعا مع نظيره التركي تشاووش أوغلو استغرق 45 دقيقة في بلغراد. وبعد اللقاء قال تشاووش أوغلو: "عبرنا عن حزننا وقدمنا تعازينا في مقتل الطيار الروسي". من جانبه، قال لافروف إنه لم يسمع منه شيئا جديدا بخصوص إسقاط مقاتلة تركية للطائرة الحربية الروسية.
صورة من: Reuters
لافروف: "لن نحارب تركيا لكن سنرد على إسقاط الطائرة". وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جدّد التأكيد على أن تركيا استهدفت الطائرة الروسية وهي داخل المجال الجوي السوري. ووصف إسقاط الطائرة بأنه "أقرب ما يكون إلى استفزاز متعمد".
صورة من: Reuters/D. Balibouse
أوغلو: لن نعتذر عن إسقاط المقاتلة الروسية. فيما أعلن الرئيس أردوغان أنه حزين لإسقاط الطائرة الروسية، رفض رئيس وزرائه تقديم أي اعتذار لروسيا. وتطالب موسكو باعتذار رسمي من أنقرة عن إسقاط مقاتلتها الذي أدى لمقتل أحد طياريها إلى جانب عسكري روسي شارك في عملية خاصة لإنقاذ الطيار الثاني. لكن تركيا رفضت الاعتذار قائلة إنها تصرفت دفاعا عن حدودها. من جهته وصف أوغلو الاتهامات الروسية بأنها "دعاية سوفييتية".