بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، تعرض ولي عهد الأمير محمد بن سلمان لضغوط سياسية كبيرة، خصوصاً من الغرب الذي ينتظر توضيحات أكثر. لكن الغرب شبه منقسم حول القضية، فترامب مازال يعتبر محمد بن سلمان شريكا يمكن الوثوق فيه.
إعلان
المصافحة الحارة جاءت في قمة مجموعة العشرين في بيونس أيريس. مبتسماً مد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يده مصافحاً نظيره الروسي. المصافحة الودية بين الجانبين توحي بوجود اتفاق أعمق. كان واضحاً أن محمد بن سلمان لم يكن معزولاً تماماً في بوينس آيرس. إذ كان واضحا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أصر على الترحيب بشكل شخصي بمحمد بن سلمان.
لم يرغب رؤساء دول وحكومات آخرون في الظهور علناً مع ولي العهد، خاصة أن احتمال تورطه في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول لم يتضح بعد. كما لم يكن هناك لقاء شخصي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. إضافة إلى هذا رفعت منظمة حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش دعوى قضائية ضد الأمير. يمكن أن تكون هذه الدعوة من الناحية القانونية بدون جدوى، لكنها من الناحية السياسية، تعطي إشارة إلى أن المساس بولي العهد أمر ممكن.
مصالح العائلة المالكة
بالانطلاق من الصور، ربما كانت الرحلة إلى بوينس آيرس تستحق العناء، على الأقل في الصورة الجماعية، بدا محمد بن سلمان بهيئة جيدة، وهي نتيجة مهمة لعمل العلاقات العامة في المملكة العربية السعودية. لكن الأمر الواضح أنه كان من الممكن الوصول إلى نتيجة أفضل. سيباستيان زونز، الخبير الألماني في الشأن السعودي من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية (DGAP) يرى أن السؤال حول مدى تأثير ذلك على مصير ولي العهد السياسي، يبقى مفتوحاً. الأولوية العليا للعائلة المالكة هي الحفاظ على الاستقرار الداخلي، لضمان بقاء العائلة المالكة. وتعد الأسرة ككل أكثر أهمية من الفرد. ويضيف" إذا لم يعد الأمر كما هو الحال عندما يُعرض فرد بقاء العائلة المالكة ككل أو الاستقرار الوطني، للتهديد والخطر وإذا كان هذا رأي الأغلبية في العائلة المالكة، فحينئذٍ سيتصرف المرء بناء على ذلك".
مرحلة حاسمة في العلاقة مع الولايات المتحدة
العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية هامة بالنسبة للمستقبل السياسي لعائلة آل سعود وكذلك للبلد بأكمله، إذ تُعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من حماة المملكة. لكن هذه العلاقة فقدت جزءاً من طبيعتها، وفقاً لموقع "المونيتور" السياسي. "التحالف السعودي يخضع لمراقبة دقيقة في الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى منذ الحظر النفطي لعام 1973". وفي ذلك الوقت، كان الأمر يتعلق بقضايا سياسية بحتة، ولم تكن قضايا هناك متعلقة بالأفراد محل نقاش. وجاء على موقع المونيتور: "إن عدم القدرة على التنبؤ بسلوك وليّ العهد هما السبب الذي يدفع المؤيدين التقليديين للمملكة في وسائل الإعلام وفي الكونغرس إلى الانقلاب على السعوديين". ولا تستجيب المملكة العربية السعودية للضغط المباشر من الخارج، كما يقول سبستيان زونز.
لكن ينبغي للرياض النظر عن كثب إلى رد فعل السياسيين الأجانب من ولي العهد، التي بدت في بوينس آيرس خجولة في ذلك اليوم. وتأتي تصريحات وبيانات مماثلة من الولايات المتحدة، بما في ذلك قرار أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي حمل محمد بن سلمان مسؤولية مقتل خاشقجي. ومع ذلك، فإن حكومة الولايات المتحدة - التي يقودها الرئيس ترامب - وتقدر المملكة العربية السعودية كشريك ومشتري للسلاح. ولا تزال المملكة العربية السعودية بالنسبة لترامب مورد موثوق للنفط.
إذا بقي موقف واشنطن تجاه الأمير والذي يُصبح أكثر انتقاداً، فإنه قد يترك انطباعاً في الرياض، كما يقول زونز. "إذا شعر المرء في العائلة المالكة أن الشخص محمد بن سلمان يُعرض وحدة الأسرة للخطر أو لا يوجد لديه دعم من الداخل لدى المواطنين، فإن المرء سيتصرف". ويبقى من غير الواضح كيف تقيم عائلة سعود الوضع الحالي.
هؤلاء حاصرتهم قضية مقتل خاشقجي وأحرجتهم أمام الرأي العام
شخصيات كثيرة عبر العالم ترغب في نهاية قضية خاشقجي بأسرع وقت نظراً لكمّ الإحراج الذي تتعرض له، لكن مع كلّ تسريب جديد تعود القصة للحياة من جديد. من هم هؤلاء الذين حاصرتهم القضية؟
محمد بن سلمان
هيأ ولي العهد السعودي كلّ شيء لأجل قيادة السعودية خلفاً لوالده، ورغم ثقل الملّفات المتهم بتورطه بها، كحرب اليمن وحملة الاعتقالات الواسعة، إلّا أن اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده وضع الأمير الشاب في مرمى الانتقادات، خاصة مع تسريبات السي أي إيه التي استنتجت أن العملية جرت بموافقته. ولا تستبعد عدة تقارير إعلامية، إقدام القصر السعودي، في حال اشتداد الضغوط عليه، على عزل ولي العهد من منصبه.
صورة من: picture-alliance/AP/A. Nabil
عادل الجبير
اختفى الجبير تماماً في قضية خاشقجي، رغم أن الأمر يتعلّق بقنصلية هو المسؤول عنها سياسياً. تعوّد المتتبع على كثرة تصريحات وزير الخارجية الشاب في دفاعه عن القصر الملكي، لكن صمته أعطى رسالة بوجود أوامر عليا بضرورة تجنب التعليق في قضية خاشقجي. أول تصريح من الجبير في القضية كان: "القيادة السعودية خط أحمر"، ويبدو أن الرجل يحسب ألف مرة قبل الإدلاء بأيّ كلمة كي لا يجد نفسه في دائرة الإعفاء أو المحاسبة.
صورة من: Reuters/W. Kurniawan
بلاط بن سلمان
رغم كل ما قدمه المستشار سعود القحطاني، من قيادته لأدوات الدعاية الإلكترونية وردوده "العدائية" على خصوم ولي العهد، ورغم اضطلاع أحمد العسيري بمهام التواصل في حرب اليمن ثم انتقاله للمخابرات بناءً على رغبة بن سلمان، إلّا أنهما كانا في الصفوف الأولى لمن تمت التضحية بهم في قضية خاشقجي. غير أن حظهما العاثر جعل تنحيتهما من منصبيهما غير ذات قيمة، فتداعيات القضية لم تتوقف.
صورة من: Getty Images/AFP/F.Nureldine
الإعلام السعودي
أسئلة كثيرة تُطرح حول طريقة تعامل وسائل الإعلام السعودي مع القضية. تماهت أولا مع الإنكار الرسمي، وحمّلت المسؤولية لإيران وقطر والإخوان، ولما بدأت السعودية الاعتراف بوقوع الجريمة، بذل الإعلام ذاته جهدا كبيرا لمحاولة إقناع الرأي العام برواية شكّك فيها الكثيرون، في وقت استغل فيه الإعلام القطري القضية لـ"تصفية" حسابات بلاده مع الرياض. (في الصورة وليد إبراهيم مالك مجموعة إم بي سي).
صورة من: picture-alliance/abaca/Balkis Press
عبد الرحمن السديس
يعرف المسلمون خطيب المسجد الحرام في مكة بصوته المنتشر في أشرطة قراءة القرآن، لكنهم فوجؤوا به يقرأ خطباً سياسيةً تدافع عن ولي العهد بشكل غير مسبوق. وجد السديس تفسيراً لقضية خاشقجي بالقول إن هناك محاولة لاستفزاز مشاعر مليون مسلم، لكن ليس السديس لوحده في هذا السياق، فالمؤسسة الدينية السعودية برمتها تدافع عن سياسات القصر، وعبّرت على الدوام عن مواقف لصالح حكام البلاد.
صورة من: picture-alliance/AP Images/M. Elshamy
دونالد ترامب
فضائح كثيرة حاصرت الرئيس الأمريكي واستطاع الإفلات منها، لكن مطرقة خاشقجي تدق في رأسه منذ عدة أسابيع. الضغط في الولايات المتحدة يدفع بترامب إلى تحديث تصريحاته حول القضية، ما أدى إلى تناقضه أكثر من مرة في الأجوبة. يعلم ترامب أن الانصياع للضغوط قد يكلفه خسارة علاقته مع ابن سلمان، ومن ثمة خسارة صفقات مالية ضخمة، لذلك يحاول إيجاد صيغة وسطية لا تضرب تحالفه مع السعوديين في مقتل.
صورة من: Reuters/K. Lamarque
جاريد كوشنر
صهر ترامب وأحد مستشاريه. يُعرف بكونه أحد أبرز أصدقاء ابن سلمان في الخارج. تقول تقارير الإعلام الأمريكي إنه يشكّل الوسيط المهم بين ابن سلمان وترامب، وإنه دافع على الدوام عن الرياض في دهاليز السياسة الأمريكية ووجد الكثيرمن الأعذار لولي العهد السعودي، لكنه يبدو أنه لم يستطع إيجاد الأعذار المناسبة في قضية خاشقجي، بل بات كوشنر، وفق تقارير إعلامية، يتهرب من التواصل المباشر مع ابن سلمان حول القضية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/E. Vucci
محمد بن زايد
راهن ولي العهد الإماراتي على محمد ابن سلمان، لأجل محاصرة الإسلام السياسي والنفوذ الإيراني ووقف تداعيات الربيع العربي، لكن مهندس السياسات الإماراتية لم يدل بمواقف في قضية خاشقجي، فهل تخلّى تماماً عن حليفه الشاب؟ عمق الشراكة بين الرجلين تجعل كل واحدٍ منهما يحتاج للآخر في مثل هذه الملفات الحساسة، لكن الزلزال الذي أحدثه مقتل خاشقجي قوي جداً ووصلت شظاياه إلى أبعد ما تخيله أصحاب العملية.
صورة من: picture-alliance/AA/B. Algaloud
عبد الفتاح السيسي
منذ صعوده إلى الرئاسة، والسيسي يمثل حليفاً استراتيجيا للسعودية، خاصة في المعركة ضد الإخوان. يراهن السيسي على المساعدات السعودية لتحسين أوضاع بلدٍ يعاني اقتصادياً، وفي المقابل لا يبخل بأيّ شكل من الدعم السياسي للرياض. لكن دفاعه عنها جاء محتشما في قضية خاشقجي. يعي السيسي أن سقوط بن سلمان سيؤثر سلباً على حكمه لمصر، لكنه لا يريد رفع النبرة في جريمة ستضيف المزيد من السواد لسيرته الحقوقية .
صورة من: picture-alliance/Xinhua/MENA
إيمانويل ماكرون
كجل زعماء الغرب، يرفع الرئيس الفرنسي شعار حقوق الإنسان في تعامله مع الشرق، لكن عندما يتعلّق الأمر بالسعودية، التي تشتري ملايين اليوروهات من أسلحة فرنسا، يجد ماكرون مبرّرات الاقتصاد والتعاون الاستراتيجي لاستمرار العلاقة. وحتى عندما تعالت الأصوات بوقف صادرات الأسلحة رداً على جريمة خاشقجي، رّد ماكرون بحدة عكست موقفه الصعب، لكنه حاول الاستدراك بالتأكيد على خطورة جريمة خاشقجي.
صورة من: Imago/Belga/E. Lalmand
تيريزا ماي
قبل أشهر، خرج عشرات المتظاهرون للضغط على رئيسة الوزراء البريطانية حتى توقف صفقات الأسلحة خلال استقبالها لابن سلمان، لكنها رفضت التفريط في تحالف لندن والرياض. تواجه ماي أياما صعبة بسبب دعوات لسحب الثقة منها، لذلك لا ترغب بإضافة صداع جديد يخصّ قضية خاشقجي، وحاولت تقديم ردٍ قوي بوصف اعتراف السعودية الأول في القضية بالفاقد للمصداقية، غير أن مثل هذه التصريحات لم تشف غليل معارضيها.
صورة من: Reuters/H. Nicholls
بنيامين نتنياهو
انتظرت القيادة الإسرائيلية لعقود موقفا معتدلا من السعودية إلى أن جاء عهد ابن سلمان الذي لم يمانع بحق إسرائيل في الوجود. لذلك تشكّل أزمته الحالية مشكلاً لدى بنيامين نتنياهو الذي لا يرغب حتماً في عزل أمير يتقاسم مع إسرائيل الكثير من الأهداف، منها "صفقة القرن" ودورها في مشروع نيوم، والوقوف في وجه المشروع الإيراني بالمنطقة، وتقزيم دور حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية المقاتلة.