30 يونيو .. هل يمكن أن يتكرر السيناريو المصري في السودان؟
١ يوليو ٢٠١٩
تزامنت ذكرى أحداث 30 حزيران/يونيو، التي أدت لسيطرة الجيش على السلطة في مصر، هذه السنة مع تجديد السودانيين مطلبهم بتسليم السلطة للمدنيين. فهل تستقيم المقارنة بين التجربتين، وما أوجه الخلاف خصوصا فيما يتعلق بدور الجيش؟
إعلان
مرت عدة أسابيع على السودان سادت خلالها حالة أقرب إلى ما يكون من جمود مصحوب بفقدان الثقة، عقب فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم، ليتجدد خروج آلاف المتظاهرين وليتجدد التساؤل حول ما سيؤول له الوضع هناك. فهل ستعجل تظاهرات الثلاثين من يونيو/ حزيران السودانية بتسليم السلطة للمدنيين؟ أم أن السيناريو المصري بسيطرة الجيش على مجريات الأمور في البلاد هو الأقرب للحدوث في نهاية المطاف؟
رموز النظام القديم
تعتبر تظاهرات يوم الأحد (30 حزيران/ يونيو)، الأكبر حجما منذ فض اعتصام القوى المدنية أمام المقر العام للجيش السوداني في الثالث من الشهر الجاري، حيث دعت قوى إعلان الحرية والتغيير إلى تنظيم "مواكب مليونية لتخليد ذكرى ضحايا فض الاعتصام"، والذي تقول المعارضة إن عددهم تجاوز مئة شخص.
وقبل تنظيم "المليونية" بيوم واحد، أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان استعداد المجلس للتفاوض مع المعارضة وتسليم السلطة لأي جهة يتفق عليها الشعب السوداني.
وبالرغم من تصريحات الجيش السوداني، يرى الطيب العباسي، القيادي بـ"قوى إعلان الحرية والتغيير" وعضو وفدها المفاوض في حوار أجرته معه DW عربية، أن المجلس العسكري "يتلكأ" في اتخاذ خطوات حقيقية نحو تحقيق التوافق مع التيار المدني بتأثير من "رموز النظام السابق". ويضيف العباسي أن ما يصفها بـ"الدولة العميقة" تحتاج إلى إصلاح "وكنا نعتقد أن المجلس العسكري يسير في هذا الطريق، ولكن يبدو أن هناك تأثيرا كبيرا من المؤتمر الوطني (حزب الرئيس المخلوع عمر البشير) والحركة الإسلامية على قراراته بما يعطل الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير".
وتقول المعارضة السودانية إن خمس حالات وفاة وقعت خلال التظاهرات الجديدة، وفقا لما ذكرته لجنة أطباء السودان المركزية، حيث قامت قوات الأمن بالرد على التظاهرات بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي.
وبينما حمل المجلس العسكري السوداني "قوى إعلان الحرية والتغيير" مسؤولية أي خسارة تقع في الأرواح أو أي أضرار تنجم عن المسيرات، حمل الطيب العباسي رموز النظام السابق مسؤولية ما حدث قائلا: "تم التحفظ بمواجهة البرلمان السوداني في منطقة أم درمان على بعض من اعتدوا على المتظاهرين وعساكر الدعم السريع، ووجدوا أنهم ينتمون للنظام السابق الذي مازال يحمل السلاح ولم يلتفت لهم المجلس العسكري بعد".
أما الصحفي والمحلل السياسي السوداني محمد الأسباط، فيرى في حوار مع DW عربية، أن عدم الوصول لاتفاق حتى اليوم يعود إلى "انفتاح الشهية للسلطة منذ عزل البشير"، في إشارة للمجلس العسكري. ويقول: "الفض العنيف للاعتصام يوم الثالث من يونيو (حزيران) هو دليل على عملية التسويف لشراء الوقت، وحتى عند توسط الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، طالب المجلس بمزيد من الوقت لدراسة الموقف".
السودان ليست مصر!
ومنذ انطلاق الحراك الشعبي السوداني، أجرى العديدون مقارنات بين التجربتين المصرية والسودانية، خاصة بسبب الدور المحوري الذي لعبه الجيش في البلدين. بيد أن تاريخ الـ 30 من يونيو/حزيران حمل ملامح مختلفة في السودان بالمقارنة بما تم في مصر، حسب العديد من النشطاء والصحفيين السودانيين.
ويشير الطيب العباسي، عضو لجنة التفاوض مع المجلس العسكري، إلى وجود اختلاف جوهري في التركيبة ما بين الجيشين المصري والسوداني قائلا إن "كل الأنظمة التي حكمت السودان بعد انقلابات عسكرية كانت تنتمي لقوى سياسية بعينها. فالحركة الإسلامية هي التي أسست للانقلاب الذي أتى بالبشير للحكم عام 1989".
ويتحدث العباسي عن اكتساب دروس من التجربة المصرية، وخاصة فيما يتعلق بالتمسك بالسلمية منذ اللحظة الأولى، إلا أنه يؤكد على الاختلاف فيما يتعلق بالقوى المدنية والسياسية حيث يقول: "نحن نختلف عن مصر ونستطيع أن نقاوم بشكل مختلف، ونحن منظمون تحت مظلة قوى سياسية وتحالفات في مقدمتها الحرية والتغيير، بينما الأحزاب الجديدة في مصر تلاشت بسرعة وأصبحت مصر اليوم تحت سيطرة الحزب الواحد، وأصبحنا أكثر وعيا بفعل ما تعلمناه من الثورات التي أسقطتها الأنظمة الشمولية".
أما الصحفي والمحلل السياسي السوداني محمد الأسباط فيقول: "ما حدث في 30 يونيو (حزيران) في السودان هو معاكس تماما لما حدث في 30 يونيو مصر، فما حدث في السودان كان لتدشين الدولة المدنية ضد الحكم العسكري"، وليس العكس.
ولكن هذا التفاؤل السوداني يواجهه تخوف من مدى كفاية ما يمتلكه التيار المدني في السودان من عناصر قوة، ففي تصريح سابق لـ DW عربية، قال الخبير في الشأن الأفريقي، جان بابتيست جالوبين: "لا يوجد لدى الحراك حالياً أي أوراق قوة فعلية قد تسهم في تغيير المشهد لصالحه إلا بعض المظاهرات والعصيان المدني وهي أوراق لا أعتقد أنها كافية لتجعل العسكر يتنازلون طوعاً عن السلطة".
بيد أن الرد يأتي من العباسي، القيادي في "قوى إعلان الحرية والتغيير" على الشكل التالي: "لا نريد أن نستفز المجلس العسكري لأننا نريد أن نحقق مكاسب حقيقية للشعب وأن نلبي رغبات المواطن السوداني ولا نريد زيادة الدماء التي سالت خلال الأيام الماضية؛ فنحن نملك القوة لكننا لا نتجه نحو العنف".
د.ب/أ.ح
السودان.. محطات من صراع المعارضة مع العسكر
السودانيون بين الأمل والقلق حول مستقبل أوضاع بلادهم. في الصباح يستيقظون على أنباء إحباط محاولة إنقلابية وفي المساء تأتي أخبار بالتوصل لاتفاق بين العسكر وقوى المعارضة. في صور: محطات الصراع على السلطة بين المحتجين والجيش.
صورة من: AFP/Getty Images/A. Shazly
إعلان الوساطة الإفريقية الإثيوبية المُشتركة الجمعة (12 يوليو تموز 2019) بأن قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة والمجلس العسكري الإنتقالي في السودان توصلا إلى اتفاق كامل بشأن "الإعلان السياسي" المُحدد لكافة مراحل الفترة الإنتقالية، وخارطة طريق لتنظيم الانتخابات. هذا الإعلان يأتي في وقت لم تُبدد فيه بشكل نهائي المخاوف من تعطيل انتقال السلطة للمدنيين.
صورة من: AFP/Getty Images/A. Shazly
في الحادي عشر من يوليو/ تموز استيقظ السودانيون على بيان للمجلس العسكري الحاكم يعلن فيه أن مجموعة ضباط حاولوا القيام "بانقلاب عسكري" لتقويض اتفاق بين الجيش والمعارضة لاقتسام السلطة لفترة مدتها ثلاث سنوات يعقبها
إجراء انتخابات. الغموض ما يزال يحيط بأهداف مدبري محاولة الإنقلاب وارتباطاتهم.
صورة من: picture-alliance/AA
احتجاجات سلمية
لأسابيع طويلة صمد المتظاهرون السودانيون أمام مقر وزارة الدفاع. آلاف المحتجين كانوا يطالبون بمجلس انتقالي يحدد فيه المدنيون مستقبل البلاد. ولكن في مطلع حزيران/ يونيو 2019 تحرك العسكر لفض الاعتصام بقوة السلاح ما أسفر عن مقتل العشرات وجرح المئات.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
باسم الأمة..
متظاهر يحمل علم السودان بالقرب من المقر الرئيسي لقيادة الجيش. العلم يرمز إلى مطلب المتظاهرين في المشاركة بشكل متساو في رسم مستقبل البلاد، والمقصود مشاركة الشعب والجيش على قدم المساواة في ذلك. ولو حدث ذلك، سيكون خطوة مهمة على طريق الديمقراطية.
صورة من: Reuters
إشارات تحذيرية
قبل أيام من فض الاعتصام، كان هناك حضور قوي للجيش. ورأى الكثير من المتظاهرين في ذلك أن الجيش ربما لا يبدو مستعدا لتسليم السلطة للمدنيين، حسب ما كان يأمله السودانيون بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير.
صورة من: Getty Images/AFP
نهاية حقبة
هيمن الرئيس المخلوع عمر البشير على السلطة منذ عام 1993 وحتى الإطاحة به في نيسان/ أبريل 2019. قمع معارضيه بكل قسوة. ومن أجل الحفاظ على سلطته أمر البشير بحل البرلمان عام 1999. في تلك الفترة كان زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن يجد في السودان ملاذا آمنا له. لكن اسم البشير يبقى مرتبطا بشكل وثيق مع الحر ب ضد الانفصاليين في إقليم دارفور.
صورة من: Reuters/M. Nureldin Abdallah
الديكتاتور أمام المحكمة
كثير من السودانيين كانوا يأملون في رؤية الديكتاتور وهو يمثل أمام المحكمة. أمل تحقق بالفعل عندما بدأت جلسة محاكمة عمر البشير في الـ 16من حزيران/ يونيو. وكانت التهم الأولية الموجهة إليه تتمثل في الفساد وحيازة عملات أجنبية بكميات كبيرة. فبعد سقوطه وجد رجال الأمن في قصره أكياسا مليئة بالدولارات قدرت بأكثر من 100 مليون دولار.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Hjaj
حضور قوي للمرأة
كان للمرأة السودانية حضور قوي في الاحتجاجات، حيث تتمتع المرأة بحرية أكبر منذ بدء الاحتجاجات. المرأة السودانية لا تقوي الاحتجاجات من حيث العدد فقط، بل تدعمها نوعيا أيضا، فهي التي أعطت الاحتجاجات وجها سلميا آخر. حضور المرأة في الاحتجاجات جسد رغبة الكثير من المواطنين في الديمقراطية والمساواة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
أيقونة الثورة!
أصبحت طالبة كلية الهندسة المعمارية آلاء صلاح، وجها بارزا من وجوه الثورة. وهذه الصورة التاريخية التقطها مصور كان حاضرا عندما صعدت آلاء إلى سطح سيارة لتلقي خطابا أمام المحتجين. ومنذ ذلك الوقت تشهد هذه الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي مشاركة واسعة. صور من هذا النوع تعتبر من أدوات الثورة المهمة، فهي ترمز إلى الهوية الانتماء.
صورة من: Getty Images/AFP
تضامن عالمي
بفضل شبكات التواصل الاجتماعي تنتشر أخبار الاحتجاجات بسرعة حول العالم، وهذا ما حدث مع احتجاجات السودان. التي حظيت بعم معنوي عالمي كبير، كما تظهر هذه الصورة بمدينة ادينبورغ في سكوتلندا، حيث تطالب سيدة بوقف قتل المدنيين في السودان. كما أعلن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي عن موقفهم في بيان رسمي للاتحاد الأوروبي طالبوا فيه بوقف فوري لكل انواع العنف ضد الشعب السوداني.
صورة من: picture-alliance/EdinburghEliteme/D. Johnston
دعم للجيش أيضا
لكن ليس كل السودانيين شاركوا في الاحتجاجات ضد العسكر. فهناك من يدعمهم، حيث يأملون في تشكيل حكومة صارمة. ويعتقد أنصار الجيش أنه فقط ومن خلال العسكر يمكن ضمان مستقبل مزدهر للبلاد. ويضعون أملهم هذا في شخص الجنرال عبدالفتاح برهان رئيس المجلس العسكري الذي يحملون صورته.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
في انتظار فرصته
لكن الرجل القوي الفعلي في السودان هو الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي". فهو الرجل الذي يعتقد أنه أمر القوات بفض الاعتصام أمام مقر القيادة العسكرية بقوة السلاح. وكان الجنرال قائدا لميليشيات "بالجنجويد" التي قمعت المتمردين بكل قسوة ووحشية في دارفور. ويخشى المتظاهرون من أن يصبح هذا الجنرال الرجل الأول في البلاد.
صورة من: Reuters/M.N. Abdallah
قلق في الخليج
أثارت أحداث السودان قلق السياسيين في دول أخرى، مثل محمد بن زايد آل ثاني، ولي العهد في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تخشى السعودية، حالها في ذلك حال الإمارات، من أن نجاح الاحتجاجات في السودان يعتبر بمثابة نجاح الثورة "من تحت" وقد يصبح مثالا يحتذى به في المنطقة. ولهذا تدعم السعودية والإمارات عسكر السودان.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Ministry of Presidential Affairs/M. Al Hammadi
الجار الشمالي يراقب بقلق!
في القاهرة تتجه الأنظار بكثير من القلق والريبة والشكوك إلى الخرطوم. وتخشى حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي أن تساهم أحداث السودان في زيادة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين التي تحاربها في مصر بكل قوة. وإذا تمكنت الجماعة من ترسيخ أقدامها في السودان، كما تخشى مصر، فإن ذلك قد يساهم في إعادة القوة إليها في مصر أيضا.
صورة من: picture-alliance/Photoshot/MENA
احتجاجات لا تنتهي
في غضون ذلك تستمر الاحتجاجات في السودان. ففي يوم الجمعة (14 حزيران/يونيو 2019) طالب صادق المهدي أحد قادة المعارضة السودانية منذ عقود، بتحقيق رسمي في عملية فض الاعتصام بالقوة. الطلب أثار غضب العسكر. والاحتجاجات في السودان تدخل في مرحلة جديدة. كيرستن كنب/ ح.ع.ح