انتهت قبل 80 عاماً الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الحين، تضمن الولايات المتحدة الأمريكية أمن غرب أوروبا، وفي وقت لاحق أجزاء من شرق القارة العجوز. ولكن الأمور بدأت تأخذ منحنيات جديدة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
مؤتمر بوتسدام في آب/أغسطس 1945: ممثلو القوى المنتصرة، من اليسار ونستون تشرشل (بريطانيا) وهاري ترومان (الولايات المتحدة الأمريكية) وجوزيف ستالين (الاتحاد السوفييتي)، قسّموا أوروبا بعد الحربصورة من: akg-images/picture alliance
إعلان
استسلم الفيرماخت (القوات المسلحة النازية) في 8 أيار/مايو 1945. وبذلك فإنَّ الحرب العالمية الثانية، التي بدأت في الأول من أيلول/سبتمبر 1939 بغزو ألمانيا لبولندا، انتهت في أوروبا؛ أما في آسيا فقد استمرت بضعة أشهر أخرى حتى استسلام اليابان. وقبل أيام قليلة من استسلام جيشه، كان أدولف هتلر قد انتحر في "ملجأ الفوهرر" ببرلين.
لقد غطت أهوال الحرب على كل ما سبقها حروب: نحو 60 مليون قتيل في جميع أنحاء العالم، وستة ملايين يهودي أبادهم النازيون، ودمار في أجزاء كبيرة من أوروبا، وملايين المفقودين والمشردين.
ومع سقوط ألمانيا النازية في عام 1945، نشأ نظام جديد ثنائي القطب في أوروبا وخارجها، واستمر أربعين عاماً. وخلال الحرب، تعاون الحلفاء الغربيون - الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا - مع الاتحاد السوفييتي من أجل تحقيق النصر على النازية والفاشية.
المشير فيلهلم كايتل، القائد الأعلى للقوات المسلحة النازية (فيرماخت)، يوقّع وثيقة استسلام ألمانياصورة من: picture alliance/dpa
ولكن حتى قبل نهاية الحرب، ظهرت التوترات: فالقوى الغربية كانت تؤيد الديمقراطية وسعت إلى إقامة حلف حر مع الدول المهزومة، في حين أنَّ الاتحاد السوفييتي أخضع جميع البلدان التي احتلها أثناء تقدمه العسكري لنظام شيوعي.
وفي عام 1947، أعلن الرئيس الأمريكي هاري ترومان عن إصدار ما أطلق عليه في وقت لاحق اسم "مبدأ ترومان". وبحسب ترومان فإنَّ "سياسة الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تتمثل في دعم الشعوب الحرة التي تقاوم محاولات الإخضاع من قبل أقليات مسلحة أو ضغوط خارجية". وكان الهدف هو وقف توسع الاتحاد السوفييتي. وكانت أوروبا مقسمة إلى نصف شرقي يسيطر عليه السوفييت ونصف غربي يسيطر عليه الأمريكيون.
الرئيس الأمريكي جون كينيدي (على اليسار) عام 1963 في برلين الغربية مع عمدة برلين فيلي براندت (في الوسط) والمستشار كونراد أديناور، أكد على الحماية العسكرية الأمريكية لألمانياصورة من: picture alliance/AP
الاعتماد على الحماية الأمريكية
أصبحت ألمانيا بؤرة هذا التناقض وخط المواجهة الأول: وبسرعة قسّمتها حدود ممتدة عبرها وعبر برلين. كان ذلك عصر الحرب الباردة، التي ضمن فيها الردع النووي بين التكتلين العسكريين، حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف وارسو تحت الحكم السوفييتي، عدم تحوّلها إلى حرب ساخنة. ومع ذلك فقد وقف العالم عدة مرات على وشك الدخول في حرب نووية.
إعلان
وجمهورية ألمانيا الاتحادية، أي الجزء الغربي من ألمانيا التي كانت مقسمة حتى عام 1990، كان معتمدة كدولة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) على حماية الولايات المتحدة الأمريكية.
وبقي الوضع كما هو حتى بعد انتهاء المواجهة بين الشرق والغرب في عامي 1990/1989 وبعد إعادة توحيد ألمانيا وتفكك الاتحاد السوفييتي. وكان يبدو لعدة أعوام وكأنَّ القارة كلها، بما فيها روسيا، تعيش وتتجه نحو السلام والديمقراطية. وانضم إلى حلف الناتو المزيد من البلدان التي كانت في السابق جزءاً من الاتحاد السوفييتي. وحتى أوكرانيا المستقلة تم وعدها بإمكانية الانضمام في وقت ما إلى حلف الناتو.
ترامب ينقلب على الأوروبيين
وتحطمت هذه الأوهام على أبعد تقدير منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022. ولم يعد يسري مبدأ أساسي من مبادئ النظام السابق، يفيد بأنَّ الحدود لا يجوز تغييرها إلا سلمياً.
ومن ناحية أخرى، أخضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حماية حلف الناتو لأوروبا للمساومة والابتزاز. فقد قال ترامب في آذار/مارس وبكل وضوح: "إذا لم يدفعوا (الأعضاء الآخرون في حلف الناتو)، فلن أُدافع عنهم".
وحول ذلك كتب المؤرخ نوربرت فراي من جامعة يينا لـDW: "نحن نقف في خضم تحوّل تاريخي، يمكن مقارنته بالمنعطفات السياسية الكبرى في القرن العشرين، وخاصة تلك التي حدثت في عامي 1945 و1989/1991. فالنظام عبر الأطلسي، الذي أنشأته الولايات المتحدة الأمريكية بالأخص بعد الحرب العالمية الثانية، واستفادت منه ألمانيا بشكل خاص - أولاً ضمن إطار الوحدة الأوروبية الغربية، ولكن أيضاً بعد انتهاء الصراع بين الشرق والغرب واندماج أوروبا الشرقية - بات يتفكك أمام أعيننا".
وكذلك قال زميله المؤرخ مانفريد غورتِماكر من مدينة بوتسدام لـDW إنَّ رئاسة ترامب أظهرت "أنَّ اعتماد الأوروبيين على واشنطن وإهمال بناء قدراتهم الذاتية كان خطأ فادحاً، مضيفاً أنَّ ترامب دمر هذا الوهم.
ولم يكن الجمهوري ترامب أول رئيس أمريكي يطالب الأوروبيين بزيادة نفقاتهم الدفاعية. ففي عام 2016، قال الرئيس الديمقراطي باراك أوباما إنَّ "أوروبا كانت أحيانًا متساهلة جداً في دفاعها عن نفسها".
ولكن ترامب ذهب أبعد من ذلك بكثير. فقد أصبح يقف عملياً إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا. وحسب ترامب، لن تستعيد أوكرانيا كل أراضيها ولن تدخل إلى حلف الناتو. وهذه أخبار جيدة بانسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال العام الماضي إن "النظام الأمني الأوروبي الأطلسي برمّته ينهار أمام أعيننا".
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (على اليمين) وبَّخ في نهاية شباط/فبراير الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض وحمّله جزءًا من المسؤولية عن الحرب ضد بلادهصورة من: Saul Loeb/AFP/Getty Images
ميرتس يريد "الاستقلال" عن واشنطن
ويأمل البعض في ألمانيا العودة بعد عهد ترامب إلى النظام الأطلسي القديم. والسؤال هل هذا واقعي؟ نوربرت فراي يشك في ذلك: "من الصعب القول اليوم كم سيبقى من حلف الناتو بعد رئاسة ترامب، وإن كان من الممكن إعادة بناء أي شيء بعد ذلك".
ونصيحته للحكومة الألمانية: "ألمانيا راسخة بقوة في أوروبا منذ سياسة كونراد أديناور القائمة على العلاقات غير المشروطة مع الغرب. ويجب على ألمانيا الآن أن تفعل كل ما في وسعها من أجل بقاء الاتحاد الأوروبي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً على قيد الحياة، وحتى دون دعم واشنطن إذا اقتضت الضرورة".
وهذا هو رأي المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس. فقد قال مباشرة بعد الانتخابات الألمانية إنَّ على أوروبا أن تستقل عن أمريكا في السياسة الأمنية.
ويحذّر من هذه الفكرة مانفريد غورتِماكر: "الاستقلال عن الولايات المتحدة الأمريكية وهم تام". ويضيف أنَّ مسار أوروبي خاص لن ينجح، لأنَّ الردع النووي يجب أن يبقى مضموناً من قبل الأمريكيين. وبالتالي من المنطقي العودة إلى التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، على أساس حسابات سياسية واقعية جديدة".
الاعتماد على أوروبا أكثر من ذي قبل كبديل للولايات المتحدة الأمريكية التي لم يعد من الممكن الاعتماد عليها بعد 80 عاماً من نهاية الحرب؟ أو ربما تحالف جديد مع واشنطن؟. سؤال يجب على الحكومة الألمانية الجديدة الإجابة عليه.
أعده للعربية: رائد الباش
ترامب في ولايته الثانية.. قرارات صادمة وتصريحات غير دبلوماسية
هذه هي الولاية الثانية لدونالد ترامب، لكنه عازم على أن تكون فارقة في تاريخ بلاده، مجموعة من القرارات المثيرة للجدل، بلغت حد خلق صراع مع حلفائه و"انتهاك" مسلمات في السياسة الداخلية والخارجية لبلاده.
صورة من: Brendan Smialowski/AFP
ريفييرا "الشرق الأوسط"
خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بداية فبراير/شباط، أعلن ترامب عن رؤيته "المذهلة" لقطاع غزّة المدمر نتيجة الحرب. خطة ترامب تقضي بـ"السيطرة" على القطاع الفلسطيني وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". فاجأت هذه التصريحات الصحافيين الحاضرين وأثارت موجة غضب دولية وعربية، خصوصا أن ترامب طالب بتهجير الفلسطينيين قسريا إلى أماكن أخرى.
صورة من: Chip Somodevilla/Getty Images
حرب تجارية شاملة
أعلن ترامب عن حرب تجارية شاملة، وقودها رسوم جمركية، قام بفرضها على الكثير من الدول، ما أثار انتقادات كبيرة خصوصا من الحلفاء الأوروبيين، بينما كانت التداعيات أكبر مع الصين التي أعلنت بدورها عن إجراءات ضد المنتجات الأمريكية. لكن ترامب لم يتوقف عند هذا الحد، بل تباهى بأنّ عشرات الدول اتصلت "تقبل مؤخرته" على حد تعبيره، طالبة التفاوض.
صورة من: Nathan Howard/REUTERS
مهاجمة القيادة الأوكرانية
من أكبر المشاهد إثارة للجدل، مشهد التنابز اللفظي بين ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، حين شن الرئيس الأمريكي ونائبه جاي دي فانس هجوما لاذعا على زيلينسكي خلال اجتماع انتشرت مشاهده على نطاق واسع، إذ طالباه أن يكون أكثر امتنانا لدور أمريكا في الحرب مع روسيا وخصوصا توفير الأسلحة، كما اتهماه أنه لا يريد مفاوضات سلام جادة. وتعاطف الكثيرون مع زيلينسكي، وخاصة في أوروبا.
صورة من: Saul Loeb/AFP/Getty Images
تناغم وتقارب مع بوتين
في الوقت نفسه، انخرط ترامب في محادثات مع موسكو، متجاوزا الأوروبيين، وأجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي "لطاما كانت تربطه به علاقة جيدة" والذي يعتبره "ذكيا". وأكد ترامب على استمرار الاتصالات مع بوتين، وتحدث عنه بكثير من الإيجابية عكس سلفه جو بايدن، وظهر ترامب باحثا عن خطب ود بوتين بأي طريقة.
صورة من: Maxim Shipenkov/Alex Brandon/AP Photo
مهاجمة الاتحاد الأوروبي
من جانب آخر، هاجم ترامب مراراً الاتحاد الأوروبي، وقال إن سبب إنشائه هو "استغلال" الولايات المتحدة، متّهما الأوروبيين بأنهم "انتهازيون"، كما دعاهم إلى استثمار 5% من ناتجهم الاقتصادي في الدفاع في المستقبل. أدت هجومات ترامب المتكررة إلى حذر كبير وسط الأوروبيين الذين أكد عدد من قادتهم عن ضرورة التفكير في علاقة مختلفة مع الولايات المتحدة.
صورة من: Spencer Platt/Getty Images
طموح توسعي
أعلن ترامب مرارا رغبته في جعل كندا "الولاية الأمريكيّة الحادية والخمسين"، واصفا الحدود مع الجارة الشماليّة للولايات المتحدة بأنها "خطّ مصطنع"، ما خلق أزمة بينه وبين كندا. ولم يتوقّف الرئيس الأمريكي عند هذا الحدّ، بل قال أيضا "نحن بحاجة" إلى غرينلاند التابعة للسيادة النرويجية، كما أعلن أنه يرغب باستعادة قناة بنما.
صورة من: Alex Brandon/AP/picture alliance
سياسة هجرة صارمة
باشر ترامب تنفيذ سياسة صارمة للغاية لترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة، وطرد أكثر من 200 شخص إلى سجن شديد الحراسة في السلفادور، وشن حربا ضد عصابات المخدرات المكسيكية التي وصفها بأنها منظمات إرهابية أجنبية، لكن ترامب واجه أحكاما قضائية وقفت ضد عددا من مخططاته ومن ذلك تشديد الهجرة.
صورة من: Alex Brandon/AP/dpa/picture alliance
الانسحاب من معاهدات وهيئات دولية
مباشرة بعد بدء فترته الرئاسية، سحب ترامب بلاده من منظمة الصحة العالمية التي سبق أن وجه لها انتقادات كبيرة بسبب طريقة مواجهتها لفيروس كورونا، وأعلن عن عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب إصدارها أمر قبض على نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت، كما انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، بسبب رفضه انخراط بلاده في سياسة خفض الغازات الدفيئة المسببة لتغير المناخ.
صورة من: Thomas Müller/dpa/picture alliance
العفو عن مثيري الشغب في الكونغرس
كما قام ترامب بالعفو عن مثيري الشغب الذين اقتحموا مبنى الكابيتول في مطلع العام 2021 احتجاجا على عدم انتخابه، كما أقر الرئيس الأمريكي تخفيضات هائلة في ميزانية المساعدات الخارجية، بذريعة مكافحة الهدر والبرامج التي تعزز التنوع والمساواة والشمول، ومن ذلك وقف المساعدات الموجهة إلى بلدان فقيرة كاليمن وأفغانستان.
صورة من: Roberto Schmidt/AFP/Getty Images
مناهضة الأقليات الجنسية
خلال حملته الانتخابية، وعد ترامب بـ"وضع حدّ لـ"جنون التحوّل الجنسي". وأعلن في حفل تنصيبه أنه "اعتبارا من هذا اليوم ستكون السياسة الرسميّة لحكومة الولايات المتحدة الاعتراف بوجود جنسَين فقط؛ الذكر والأنثى". ووقّع لاحقا أوامر تنفيذيّة تمنع المتحوّلين جنسيا من الخدمة في الجيش أو ممارسة الرياضات النسائيّة.
صورة من: Andrew Caballero-Reynolds/AFP
مواجهة داعمي الفلسطينيين
دخلت إدارة ترامب في نزاع مع بعض الجامعات الكبري مثل هارفارد موجهة اتهامات لها بالتساهل مع "معاداة السامية" لسماحها بإقامة تظاهرات في الأحرام الجامعية، تنتقد إسرائيل على خلفية حرب غزة، وبدأت إجراءات ترحيل طلبة فلسطينيين أو مؤيدين للفلسطينيين للتهم ذاتها، وتعد قضية محمود خليل ومحسن مهداوي من أبرز هذه القضايا، إذ استندت واشطنن على بند قانوني غامض يتيح ترحيل من "يهددون السياسة الخارجية الأمريكية".
صورة من: Ben Curtis/AP/dpa/picture alliance
تقليض حجم القطاع الحكومي
أوكل ترامب لصديقه الميلياردير إيلون ماسك الإشراف على هيئة مستحدثة مهمتها خفض التكاليف الفدرالية وتقليص حجم القطاع الحكومي. من أكبر ضحايا هذه السياسة كانت مؤسسات إعلامية كمؤسسة "صوت أمريكا" وشبكة "الشرق الأوسط للإرسال" التي سرحت جل موظفيها، ما أثار مخاوف كبيرة من استغلال روسيا والصين للوضع بحكم أن هذه المؤسسات موجهة للخارج.