DW تتحقق - ما حقيقة العنف الذي وقع في سوريا بعد سقوط الأسد؟
٢١ ديسمبر ٢٠٢٤تغيير السلطة في سوريا يبدو من النظرة الأولى سلميًا إلى حد بعيد. ولكن بعد إسقاط الرئيس بشار الأسد في دمشق من قبل ميليشيا هيئة تحرير الشام الإسلامية، تحركت العديد من الجماعات الأخرى في شمال وشرق سوريا. ومن بين هذه الجماعات بحسب معلومات الأمم المتحدة جماعة "الجيش الوطني السوري" المدعومة من تركيا، وميليشيات كردية، وكذلك جماعات مسلحة تم تشكيلها حديثًا. ويقاتل الجيش الوطني السوري خاصة في الشمال ضد جماعات كردية. بالإضافة إلى قيام إسرائيل بغارات جوية في سوريا.
وفي خضم هذا الوضع غير الواضح، تنتشر العديد من مقاطع الفيديو المروعة، التي تعرض ادعاءات كاذبة أو مضللة وتُتَّهم فيها مجموعات مختلفة. تحقق فريق تدقيق الحقائق في DW من ثلاثة ادعاءات فيروسية.
(يرجى الانتباه: لأنَّ محتويات هذه الفيديوهات تظهر عنفًا مميتًا من مسافة قريبة!)
هل يظهر هذا الفيديو قتل جنود جرحى على يد مسلحين سوريين؟
الادعاء: في هذا الفيديو، يزعم أنَّ المسلحين السوريين قد دخلوا مستشفى وكانوا يستجوبون المرضى بسرعة وبعد ذلك يقتلونهم.
ولكن تحقيق DW أثبت أنَّ هذا الادعاء غير صحيح.
وهذا الفيديو تبلغ مدته نحو دقيقتين ويعرض صورًا مروعة. ويشاهد فيه رجلان مصابان بجروح خطيرة يرقد كل منهما على سريره في المستشفى؛ يخاطبهما مسلحون ثم يقتلونهما رميًا بالرصاص. ولكن لقد أظهرت الأبحاث الأولية أنَّ مرتكبي هذه الجريمة ليسوا من المسلحين السوريين.
تشاهد في هذا الفيديو كتابة مائية تشير إلى مصدر الفيديو: قناة تيليغرام تركية اسمها "أوبيراسيون" (Operasyon). ونجد على هذه القناة نفسها هذا الفيديو المنشور هناك في الـ10 من كانون الأول/ديسمبر. ويرد في النص المرافق له أنَّ شخصين مدنيين أصيبا نتيجة قصف تركي وتم قتلهما من قبل جماعة مقربة من تركيا. ويتحدث المسلحون مع الجريحين بلغة عربية ذات لكنة أجنبية، بينما يتحدثون مع بعضهم باللغة الأوزبكية.
ويسأل الرجال في غرفة المستشفى أحد الجريحين: منذ متى يخدم في الجيش وإن كان قد قتل أحدًا من "رجالنا". ويرد عليه الرجل الجريح بأنَّه يعمل في الجيش منذ خمسة أعوام، ولكنه لم يطلق النار "عليهم" قط. ويضيف قائلًا إنَّ " الأكراد فقط يطلقون النار عليكم". وبعد سؤاله إن كان "يحب" الأسد، يجيب الرجل الجريح إنَّ الوضع كان صعبًا وإنَّهم كانوا مراقبين. وكذلك يؤكد الجريح الآخر في الفيديو أنَّه كان يعمل في الجيش. ويتحدث عن "دفاع إجباري عن النفس". ثم يتم قتلهما رميًا بالرصاص.
تحدثت مواقع إعلامية مختلفة عن أنَّ هؤلاء الرجال المسلحين هم مرتزقة يعملون في خدمة تركيا وقد هاجموا مستشفى في مدينة منبج شمال سوريا بعد إسقاط الأسد. وكذلك ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان في بداية شهر كانون الأول/ديسمبر أنَّ مثل هذه حوادث قد وقعت في منبج.
ولكن مع ذلك لا يمكن توضيح إن كان هذا الفيديو يرتبط حقًا بتلك الحوادث.
هل تم قتل هذين العالمين بعد وقت قصير من سقوط الأسد؟
الادعاء: انتشر خلال ساعات قليلة وعلى نطاق واسع عبر شبكة الإنترنت أنَّ العالمين زهرة الحمصية وحمدي إسماعيل ندا قد تم إعدامهما في دمشق رميًا بالرصاص في رأسيهما. ونُشرت في بعض هذه الادعاءات صورتان شخصيتان لهما، من المفترض أنَّهما تظهران عالمة البيولوجيا النووية زهرة الحمصية وعالم الكيمياء حمدي إسماعيل ندا.
بيد أنَّ تحقيق DW أثبت أنَّ هذا الادعاء خاطئ.
وبحسب تخمينات بعض مستخدمي الإنترنت من المفترض أنَّ جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد هو الذي يقف خلف هذا الاغتيال المفترض. علمًا أنَّ إسرائيل هاجمت منذ سقوط الأسد أهدافًا عديدة في سوريا. ومع ذلك فإنَّ هذا الادعاء خاطئ.
ولننظر أولًا إلى عالمة البيولوجيا النووية المزعومة زهرة الحمصية. يتضح من خلال البحث العكسي عن الصور أنَّ هذه المرأة في الصورة هي شادية حبال، وهي عالمة فلك في جامعة هاواي الأمريكية. زد على ذلك أنَّنا لم نجد في بحثنا أي دليل على وجود عالمة سورية اسمها زهرة الحمصية.
وفي حالة الكيميائي المزعوم حمدي إسماعيل ندا، قادنا البحث عن اسمه على مواقع التواصل الاجتماعي إلى صفحة على موقع فيسبوك لرجل مصري يحمل هذا الاسم. وبالتالي فإنَّ هذا الرجل موجود ولكنه ليس كيميائيًا سوريًا ولم يُقتل في دمشق.
وحمدي إسماعيل ندا نفسه يوضح على فيسبوك أنَّ الصور والأخبار المرفقة مع صوره هي دليل على الكذب والتلاعب. كما أنَّه قال لموقع "تيقُّن" العربي المتخصص في التحقق من الحقائق: "أنا طبيب مصري من القاهرة، وعمري 74 عامًا، وقد كنت آخر مرة في دمشق قبل تسعة أعوام في رحلة عمل استغرقت أربعة أيام".
أظهرت أبحاثنا عدم وجود أية أدلة حتى الآن تثبت أنَّ هناك علماء قتلوا قتلًا متعمدًا منذ سقوط الأسد - لا على يد وحدات إسرائيلية ولا غيرها.
هل يظهر هذا الفيديو عنفًا من قبل مسلحي هيئة تحرير الشام؟
الادعاء: ورد في نص مرفق مع مقطع فيديو منشور على موقع إكس: "إلى الذين يشاركون جرائم بشار الأسد في هذه الأيام: ها هي الحكومة الأموية التي تحاول الآن حكم سوريا!". ومن المفترض أنَّ هذا الفيديو يثبت أنَّ مسلحي هيئة تحرير الشام ليسوا أفضل من نظام الأسد الذي أسقطوه.
ولكن تحقيق DW أثبت أنَّ هذا المقطع مزيف.
يشاهد في مقطع الفيديو هذا، الذي تبلغ مدته 36 ثانية وقد تم نشره من دون صوت، عشرات من الرجال المقيدين والممددين على الأرض داخل غرفة كبيرة. ويظهر فيه بعض الرجال في زي رسمي، ويبدو أنَّهم يحرسونهم. ثم يأخذون بعض الرجال إلى غرفة مجاورة عبر باب شبكي يشبه أبواب السجن. ويبدو أنَّ هذه الغرفة مثل حجرة انتظار فيها العديد من الكراسي، التي يجلس على بعضها رجال مقيدون. ويشاهد عند تحرك الكاميرا رجال أخرون مقيدون وممددون على الأرض. وبسبب عدم وجود صوت في مقطع فمن الصعب تحديد موقعه.
ومع ذلك فقد أفضى البحث العكسي عن الصور إلى نسخة قديمة من هذا الفيديو، تم تحميلها على الإنترنت في الـ21 من آب/أغسطس 2022؛ وهي أوضح وفيها صوت. لقد تم نشر هذا المقطع الأقدم لدى قناة "أودا تي في 4" (OdaTV4) التركية على موقع إكس، الذي كان ما يزال اسمه تويتر في ذلك الوقت. وجاء فيه: "الوضع الحالي للسوريين الذين أشعلوا النار في مركز اللاجئين…".
ونشرت أيضًا وكالة "أيكيري" الإعلامية التركية مقطع الفيديو هذا في اليوم نفسه مع وصف مشابه ورد فيه: "ظهرت صور ومعلومات صادمة عن عصيان المهاجرين في مركز للترحيل والإعادة إلى الوطن بمدينة قيصري [التركية]". كما أكدت تقارير إعلامية من تلك الفترة اندلاع حريق في مأوى للاجئين بمدينة قيصري التركية. وبالتالي فإنَّ مقطع الفيديو هذا لا علاقة بمسلحي هيئة تحرير الشام أو بالعنف في سوريا، بل يظهر أحداثًا وقعت في مركز للاجئين بتركيا.
شارك في كتابة هذا التقرير: سماح الطويل، إليانا نكيزاد، تورستن نويندورف. وتم إعداده ضمن إطار التعاون بين فرق تدقيق الحقائق في القناة الأولى الألمانية وقناة بي إر 24 وقناة DW.
أعده للعربية: رائد الباش