يعمل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على تشديد عقوباتهما ضد إيران، بعد الهجمات الأخيرة التي شنتها على إسرائيل. ولكن هناك اتهامات للرئيس الأمريكي بايدن بأنه لا ينفذ هذه العقوبات. فما صحة الاتهامات؟
حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة والولايات المتحدة
ادعاء: "وافق بايدن على إنهاء عقوبات الأمم المتحدة على الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية الإيرانية"، كما كتبت المعلقة التلفزيونية الأمريكية مورغان أورتاغوس على منصة إكس. وكانت أورتاغوس المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي ترامب، بين عامي 2019 و2021.
تحقيق DW: خطأ.
انتهى حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران، في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020. أي قبل بدء ولاية الرئيس جو بايدن في منصبه، فبايدن تولى منصبه في 20 يناير/كانون الثاني 2021.
وكجزء من الاتفاق، أقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 20 يوليو/تموز 2015 (القرار 2231) أنه ينبغي تخفيف حظر الأسلحة الصارم الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران، والذي كان ساريا حتى ذلك الحين.
ولكن تخفيف العقوبات لا يبدأ إلا بعد أن تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن إيران اتخذت التدابير المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة فيما يتعلق ببرنامجها النووي.
وفي عهد ترامب انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران في 8 مايو/أيار 2018. وفي 6 أغسطس/آب 2018، أعادت الولايات المتحدة من جانب واحد فرض العقوبات التي تم رفعها بموجب الاتفاق.
وصرح وزير الخارجية الأمريكي آنذاك مايكل بومبيو في سبتمبر/أيلول 2020 أنه سيتم التراجع عن التخفيف وإعادة فرض العقوبات على إيران المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231.
ورفض مجلس الأمن الدولي مبادرة قدمتها الولايات المتحدة في 26 أغسطس/آب 2020 من أجل إعادة العقوبات. سبب الرفض هو أن الولايات المتحدة انسحبت من جانب واحد من خطة العمل الشاملة المشتركة، وبالتالي ليس لديها سلطة اقتراح تغييرات.
ومنذ ذلك الحين، شددت الولايات المتحدة عقوباتها على إيران عدة مرات. وقام معهد الولايات المتحدة للسلام بجمع كل العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران منذ عام 2001، ضمن قائمة واحدة.
الهجوم على إسرائيل وتخصيب اليورانيوم بفضل تعليق العقوبات؟
ادعاء: "منذ توليه منصبه، قدم بايدن مدفوعات مباشرة لطهران وخفّف عنها العقوبات. وقد استخدمت إيران هذه الأموال لمهاجمة إسرائيل"، كما يشتكي أحد مستخدمي منصة إكس. ويوافقه على ذلك عضو الكونغرس الأمريكي، الجمهوري بريان ستيل، ويكتب: "قام الرئيس بايدن بتمديد الاعفاء من العقوبات، ومنح إيران حق الوصول إلى 10 مليارات دولار. وفي الوقت نفسه، تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من المستويات النووية، ويقوم وكلاؤها بإطلاق الصواريخ على جنودنا، مما أسفر عن مقتل ثلاثة منهم".
تحقيق DW: ادعاء مضلل.
صحيح أن الرئيس الأميركي جو بايدن أمر بتعليق العقوبات عدة مرات خلال فترة ولايته. وهنا بعض الأمثلة.
عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟
12:30
في فبراير/شباط 2022، حاول بايدن، من خلال السماح بـ"إعفاءات من العقوبات" للشركات الروسية والصينية والأوروبية، دعم المحادثات الأمريكية الإيرانية غير المباشرة حول إحياء الاتفاق النووي الدولي لعام 2015.
وفي يوليو/تموز 2023، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الإفراج عن الأصول الإيرانية في العراق بعد لقاء مع نظيره العراقي فؤاد حسين في الرياض. وقد مكن ذلك العراق من سداد جزء من ديونه المليارية كثمن للغاز الطبيعي الذي يستورده من إيران، بعد أن أوقفت إيران توريد الغاز للعراق.
وفي أغسطس/آب 2023، منح الرئيس بايدن النظام في طهران إمكانية الوصول إلى حوالي 6 مليارات دولار من العملات الأجنبية النفطية. وكانت الأموال في حساب مصرفي مجمد في كوريا الجنوبية. وفي المقابل، تم إطلاق سراح خمسة رهائن أمريكيين من إيران.
وفي مارس/آذار من هذا العام، سمحت الحكومة الأمريكية مرة أخرى لإيران بالوصول إلى عشرة مليارات دولار أمريكي. وفي مؤتمر صحفي عُقد في 15 أبريل/نيسان، دافع المتحدث باسمه جون كيربي عن هذا الإجراء قائلا: "هذه الأموال - التي، بالمناسبة، تم وضعها في حساب بنكي من قبل إدارة ترامب - لا يذهب أي منها مباشرة إلى القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني. ولا يمكن أن تستخدم إلا لأغراض إنسانية".
خبير العقوبات كلود راكيستيس لا يتفق مع هذا الرأي. وهو مقتنع بأن "تعليق العقوبات سهّل على طهران إنتاج وشراء الأسلحة".
في المقابل، دافع الرئيس الأميركي جو بايدن عن سياسة العقوبات التي ينتهجها في بيان صدر يوم 18 أبريل/نيسان الجاري. وقال في البيان: "خلال إدارتي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أكثر من 600 فرد وكيان، بما في ذلك إيران وحلفائها حماس وحزب الله والحوثيين. وسنواصل القيام بذلك، وسنفرض عقوبات إضافية تضعف صناعة الدفاع الإيرانية".
تصدير أسلحة ونمو اقتصادي رغم العقوبات
ادعاء: "العقوبات المفروضة على إيران لا معنى لها إذا لم تشمل الصين أيضا"، كتبت الصحفية التلفزيونية الألمانية-الإيرانية ناتالي أميري على إكس. ووصف معلقون آخرون العقوبات بأنها "عديمة الجدوى على الإطلاق"، لأنه لا يتم الالتزام بتطبيقها.
تحقيق DW: ادعاء صحيح.
تؤدي العقوبات إلى تباطؤ النمو وتقليص الاستثمار وتؤدي إلى زيادة البطالة والفقر. يوضح تطور الناتج المحلي الإجمالي للفرد منذ عام 1979 (انظر الرسم البياني) النكسات التي اضطرت إيران إلى قبولها نتيجة للعقوبات المفروضة عليها.
وفي عام 2020، انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى القيمة التي كان عليها في عام 2004، أي عند 2700 دولار أمريكي. ولكن على الرغم من الإجراءات العقابية الدولية، إلا أن اقتصاد البلاد ليس في حالة خراب.
ويقول تحليل البنك الدولي: "لقد أثبت النمو الاقتصادي مرونته على مدى السنوات الأربع الماضية على الرغم من العقوبات المستمرة وزيادة عدم اليقين الجيوسياسي".
ويؤكد خبراء آخرون في مجال العقوبات هذا التقييم. ومنهم كلود راكيستيس، من مركز الأمن والدبلوماسية والاستراتيجية في بروكسل، ويضيف في حوار مع DW: "العقوبات الغربية على الطائرات بدون طيار والأسلحة القادمة من إيران لم تنجح، لأن طهران تحصل على الأسلحة أو المكونات من مكان آخر".
حيث تأتي الشحنات بشكل رئيسي من الصين وكوريا الشمالية وروسيا. أي أنه، بحسب راكيستيس: "هناك تحالف فعال بين هذه الدكتاتوريات الأربع".
البرنامج النووي- محطات من الشد الإيراني والجذب الغربي
لعبة القط والفأر مع الغرب. بداية البرنامج النووي الإيراني في نهاية خمسينات القرن الماضي كانت واعدة. ثم جاءت القطيعة مع وصول الخميني للحكم لتتوالى فصول الترغيب والترهيب: اتفاق عام 2015، ثم انسحاب أمريكي وعقوبات قاسية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Iranian Presidency Office/M. Berno
البداية النووية
كان العام 1957، بداية البرنامج النووي الأيراني حين وقع شاه إيران اتفاق برنامج نووي مع أمريكا، ليتم الإعلان عن "الاتفاق المقترح للتعاون في مجال البحوث ومجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية" تحت رعاية برنامج أيزنهاور "الذرة من أجل السلام". وفي1967، أسس مركز طهران للبحوث النووية. لكن توقيع إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في 1968، جعلها تخضع للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة.
صورة من: gemeinfrei
إنهاء التدخل الغربي في البرنامج النووي
الإطاحة بحكم الشاه وقيام جمهورية إسلامية في إيران سنة 1979، جعلت أواصر العلاقات بين إيران والدول الغربية موسومة بقطيعة، فدخل البرنامج النووي في مرحلة سبات بعد انسحاب الشركات الغربية من العمل في المشاريع النووية وإمدادات اليورانيوم عالي التخصيب؛ فتوقف لفترة برنامج إيران النووي .
صورة من: Getty Images/Afp/Gabriel Duval
البحث عن حلول
سمح خميني عام 1981 بإجراء بحوث في الطاقة النووية. وفي 1983، تعاونت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لمساعدة طهران على الصعيد الكيميائي وتصميم المحطات التجريبية لتحويل اليورانيوم، خاصة في موقع أصفهان للتكنولوجيا النووية، لكن الموقف الغربي عموما كان رافضا لمثل هذا التعاون. ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق تضرر مفاعل محطة بوشهر النووية فتوقفت عن العمل.
صورة من: akairan.com
روسيا تدخل على الخط، والصين تنسحب!
في التسعينات تم تزويد إيران بخبراء في الطاقة النووية من طرف روسيا. وفي 1992، انتشرت مزاعم في الإعلام الدولي بوجود أنشطة نووية إيرانية غير معلنة، مما جعل إيران تستدعي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة المنشآت النووية، وخلصت التفتيشات حينها إلى أن الأنشطة سلمية. في 1995، وقعت إيران مع روسيا عقدا لتشغيل محطة بوشهر بالكامل، في حين انسحبت الصين من مشروع بناء محطة لتحويل اليورانيوم.
صورة من: AP
إعلان طهران وزيارة البرادعي لإيران
طلبت الوكالة الدولية، في 2002، زيارة موقعين نوويين قيل أنهما غير معلنين، لكن إيران لم تسمح بذلك حتى مرور ستة أشهر على شيوع الخبر. وفي 2003، زار محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إيران للحصول على إيضاحات في ما يخص استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم، واصدرت الوكالة تقريرا سلبيا تجاه تعاون إيران.
صورة من: AP
شد وجذب
أصدرت الوكالة الدولية، في 2004، قرارا يطالب إيران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريد الوكالة زيارتها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية. لكن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وبعد انتخابه، عمل على تفعيل البرنامج النووي ولم يكترث للتهديدات الغربية، كما أسس مفاعل "أراك" للماء الثقيل.
صورة من: AP
فصل جديد
في 2006، صوت أعضاء الوكالة الدولية على إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، الذي فرض حظرا على تزويد إيران بالمعدات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وإنتاج صواريخ بالستية. وردت إيران على هذا الإجراء بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي. وفي نفس السنة، أعلن الرئيس الإيراني؛ أحمدي نجاد، عن نجاح بلده في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3,5 بالمائة. الصورة لوفد قطر أثناء التصويت على القرار.
صورة من: AP
مفاعلات نووية سرية
في عام2009 ، تحدث بعض المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، عبر وسائل الاعلام، عن قيام إيران ببناء مفاعل نووي في ضواحي مدينة قم، كما قال هؤلاء بأنه تحت الأرض ويبنى بكل سرية، دون أن تخبر به إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين نفت طهران ذلك واعتبرته مجرد ادعاءات.
صورة من: AP
على مشارف حل
في عام 2014، تم الاتفاق على وقف تجميد الولايات المتحدة لأموال إيرانية قدرت بمليارات الدولارات، مقابل توقف إيران عن تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة إلى وقود. وفي نفس السنة، قامت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية باجراء تعديلات على منشأة "أراك" لضمان إنتاج حجم أقل من البلوتونيوم.
صورة من: ISNA
الاتفاق التاريخي
في عام 2015، وبعد سلسلة من الاجتماعات، في فيينا، أعلن عن التوصل لاتفاق نهائي؛ سمي اتفاق إطار، بخصوص برنامج إيران النووي. الاتفاق جمع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا بإيران. وكان من المرجح أن ينهي هذا الاتفاق التهديدات والمواجهة بين إيران والغرب.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Wilking
طموحات حدها الاتفاق!
كان باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، واحدا من رؤساء الدول المتفقة مع إيران، فيما يخص البرنامج النووي، من الذين رأوا في الخطوة ضمانا لأمن العالم، بالمقابل قال نظيره الإيراني؛ حسن روحاني، إن بلاده حققت كل أهدافها من خلال الاتفاق. لكن الأمور لم تعرف استقرارا، خاصة مع رغبة إيران في تطوير برنامجها نووي، دون أن تلفت اليها الأنظار.
صورة من: Getty Images/A. Burton/M. Wilson
أمريكا تنسحب
آخر التطورات في الاتفاق النووي، كانت يوم الثلاثاء 8 أيار/مايو 2018، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، متعهداً بأن تفرض بلاده "أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني". وفي هذا الصدد، عبرت طهران عن عدم رغبتها في الدخول في جولات جديدة من المفاوضات الشاقة مع أمريكا.
صورة من: Imago/Zumapress/C. May
شروط أي "اتفاق جديد"
بعد الانسحاب الأميركي، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو 12 شرطاً أميركياً للتوصل إلى "اتفاق جديد". وتضمنت هذه الشروط مطالب شديدة الصرامة بخصوص البرنامج النووي وبرامج طهران البالستية ودور إيران في الشرق الأوسط. وهدّد بومبيو إيران بالعقوبات "الأقوى في التاريخ" إذا لم تلتزم بالشروط الأميركية.
صورة من: Getty Images/L. Balogh
واشنطن تشدد الخناق
فرضت إدارة ترامب أول حزمة عقوبات في آب/أغسطس ثم أعقبتها بأخرى في تشرين الثاني/نوفمبر. وشملت هذه العقوبات تعطيل معاملات مالية وواردات المواد الأولية إضافة إلى إجراءات عقابية في مجالي صناعة السيارات والطيران المدني. وفي نيسان/أبريل من عام 2019، أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على لائحتها السوداء لـ"المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وكذلك فيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية للحرس الثوري.
صورة من: picture-alliance/U. Baumgarten
أوروبا تغرد خارج السرب
في 31 كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت باريس وبرلين ولندن إنشاء آلية مقايضة عرفت باسم "إنستكس" من أجل السماح لشركات الاتحاد الأوروبي بمواصلة المبادلات التجارية مع إيران رغم العقوبات الأميركية. ولم تفعل الآلية بعد، كما رفضتها القيادة العليا في إيران. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أكدت على "مواصلة دعمنا الكامل للاتفاق النووي مع إيران، وتطبيقه كاملاً"، داعية إيران إلى التمسك به.
صورة من: Reuters/S. Nenov
طهران ترد
في أيار/مايو الماضي، قررت طهران تعليق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي التاريخي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى بعد عام على القرار الأميركي الانسحاب من الاتفاق. وحذرت الجمهورية الإسلامية من أنها ستستأنف تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من المسموح بها في الاتفاق خلال 60 يوماً، إذا لم يوفر لها الأوروبيون الحماية من العقوبات الأمريكية. مريم مرغيش/خالد سلامة